وإنعامه ، تألّبت على قتاله أحزاب الشيطان ، وتكتّبت لاستئصاله كتائب البهتان ، وخلعت العرب أعنّة الطاعة لأمره ، ورامت خفض ما رفع إليه من قدره ، وهدِّ ما شدّ من أركانه ، وهدم ما اُسّس من بنيانه ، وإدحاض ما أوضح من حجّته ، وإخفاء ما بيّن من أدلّته ، وأبى الله إلّا أن ينصر دينه ، ويؤيّد نبيّه وأمينه.
ولم يزل صلىاللهعليهوآله مجاهداً صابراً يتلقّى حدود الصفاح بشريف طلعته ، ويقابل رؤوس الرماح بزاهر بهجته ، ويذلّ بشدّة بأسه كلّ متكبّر جبّار ، ويفلّ بشباء سيفه كلّ متغلّب ختّار ، يباشر بنفسه الحتوف ، ويتلقى بوجهه السيوف ، حتّى كسرت في اُحد رباعيته ، وشجّت لمناوشته القتال جبهته ، وقتل في بدر واُحد وحنين أهله واُسرته ، لم يثنه ثانٍ عن نصرة دين الله ، ولم يكن له في الخلق ثان في جهاد أعداء الله.
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه. (١)
ولم يزل صلىاللهعليهوآله يقاسي الأهوال في حروبه وغزواته ، ويقطّع الآجال بتواصل صولاته وعزماته ، حتّى قبضه الله إليه سعيداً ، ودعاه إلى جواره شهيداً ، موفياً ببيعته ، موضحاً سبيل الحقّ بدعوته ، ولمّا نقله الله إلى جواره وقبضه إليه واختاره اشتدّ البلاء على ذرّيّته ، وضاق الفضاء بعترته ، ورمتهم عصب الباطل بسهام نفاقها ، وأصمت منهم المقاتل بمعابل شقاقها ، وجحدت نصّ الغدير ولم يطل العهد ، وضللت الهادي البشير ولم تخلف المعتمدة (٢) ،
__________________
١ ـ انظر : بحار الأنوار : ١٦/١١٧ و ١٢١ و ٢٣٢ و ٢٥٤ و ٣٤٠ ، وج ١٩/١٩١ ح ٤٤ ، وج ٧٢/٥.
٢ ـ كذا في الأصل.