بالفتح ، وأسكنه حجرات الرئاسة الكبرى ، صار ملكه شاملاً بسيط بساط الأرض من قاف إلى قاف ، وسلطان أعدائه كرماد اشتدّت به الذاريات بشدّة الاعصاف ، فضلَّ صاحب طور سيناء في جنب فضله كفضل النجم بالنسبة إلى القمر ، وواقعة سيفه إلى الايمان بالرحمن أشهر من أن تشهر ، كالحديد قلبه في مجادلة عُصب الضلال ، وكالبحر كفّه لكن فيضه بالعذب الزلال.
شفيعنا إلى ربّنا في حشرنا ، ومعاذنا يوم معادنا ونشرنا ، قلوبنا ممتحنة بحبّه إذ اُوقفنا كصفّ الجمعة بين يدي إلهنا ، وصار المنافقون في تغابن إذ نرى مقام إخلاصنا ، لما التزم صلوات الله عليه بطلاق الدنيا وتجرّعها على نفسه آتاه الله ملكاً عظيماً وأيّده بروح قدسه ، وأجرى قلم القدرة على لوح المشيّة بدواُمّه إلى حين حلول الحاقّة الكبرى ، وزاده ذوالمعارج بسطة في العلم والجسم فما أحقّه بالمجد وأحرى ، سأل نوح ربّه بحقّه فنجى من الطوفان والغرق ، وإليه يفزع الجنّ والإنس إذا حسرت الأنام واُلجم الخلق العرق ، جعل المزّمّل المدّثّر بأمر الله الرئاسة العامّة فيه وفي نجله إلى حين حلول القيامة الطامّة ، يوم ينظر الانسان ما قدّمت يداه (١) من ولائه وحبّه ، وترى مرسلات العذاب آخذة أعداءه إلى النّار بإذن ربّه ، فهو النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون (٢) ، والعهد المأخوذ في عالم الذرّ فهم عنه مسؤولون.
فيا حاسد صيّرت مدائحي له روحه في النازعات وقلبه أعمى ، وكوّرت إنسان بصره عن ضوء شمس الحقّ أعشى ، بلت كبدك إذا السماء انفطرت من رائق شعري ، وعيناك إذا النجوم انكدرت من فائق نثري ، رمتَ تطفيف
__________________
١ ـ إشارة إلى الآية : ٤٠ من سورة النبأ.
٢ ـ إشارة إلى الآية : ٢ و ٣ من سورة النبأ.