ونمت ، وذهب فيّ النوم فإذا ضوضاء شديدة ، وأصوات عالية ، وجعل الغلمان ينبّهوني ، فقمت وأنا ذعر ، وقلت للغلمان : ما شأنكم؟
قالوا : عجيب شأن.
قلت : وما ذاك؟
قالوا : إنّ بموضع القبر قوماً قد حالو بيننا وبين القبر ، وهم يرموننا مع ذلك بالنّشاب ، فقمت معهم لأتبيّن الأمر ، فوجدته كما وصفوا ، وكان ذلك في أوّل الليل من الليالي البيض ، فقلت : ارموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا ، فما سقط منها سهم إلّا في صاحبه الّذي رمى ، فقتله ، فاستوحشت لذلك ، وجزعت وأخذتني الحمّى والقشعريرة ، ورحلت عن (١) القبر لوقتي ، ووطّنت نفسي على أن يقتلني [ المتوكّل ] (٢) لما لم أبلغ في القبر [ جميع ] (٣) ما تقدّم إليّ به.
فقيل : كفيت ما تحذر من المتوكّل قد قتل البارحة ، وأعان في قتله ابنه المنتصر ، فقال : قد سمعت بذلك ، وقد نالني في جمسي ما لا أرجو معه البقاء.
قال أبو برزة : كان هذا أوّل النهار ، فما أمسى الديزج حتّى مات.
قال ابن خشيش : قال أبوالفضل : إنّ المنتصر سمع أباه المتوكّل يسبّ فاطمة عليهاالسلام ، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلّا أنّه من قتل أباه لم يطل له عمر.
قال : ما اُبالي إذا أطعت الله بقتله ألّا يطول عمري ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر. (٤)
__________________
١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : فدخلت من.
٢ و ٣ ـ من الأمالي.
٤ ـ أمالي الطوسي : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ح ١٠٢ ، عنه البحار : ٤٥/٣٩٥ ح ٤.