وقد نفوا عن أنفسهم السماع والعقل ، تنزيلا لما عندهم منهما منزلة العدم ، حين لم ينتفعوا بهما.
وقصارى ما سلف ـ إنهم قالوا : لو كنا سمعنا كلام النذير وقبلناه ، اعتمادا على ما لاح من صدقه ، وفكرنا فيه تفكير المستبصر ، وعملنا به ما كنا فى زمرة المعذّبين.
ولكن هيهات هيهات ، فلا يجدى الاعتراف بالذنب ، ولا يفيد الندم ، فقد فات أوانه ، وسبق ما حمّ به القضاء.
صاح هل ريت أو سمعت براع |
|
ردّ فى الضّرع ما قرى فى الحلاب |
ومن ثم أحل بهم سبحانه نقمته فقال :
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) أي فاعترفوا بما كان منهم من تكذيب الرسل ، وأنّى يفيدهم ذلك؟ فبعدا لهم من رحمتى ، جحدوا أو اعترفوا ، فهو ليس بمغن عنهم شيئا ، فقد وقعت الواقعة ، وحل بهم من بأسى ما ليس له من دافع.
روى أحمد عن أبى البحتري الطائي قال : أخبرنى من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم» ، وجاء فى حديث آخر : «لا يدخل أحد النار إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة».
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))