وعن ابن عباس رضى الله عنهما : إن المشركين كانوا يقولون إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل واحد منا صحيفة فيها براءته من النار.
(كَلَّا) زجر لهم وتوبيخ على اقتراحهم لتلك الصحف المنشرة ، أي فهم لا يؤتونها.
ثم بين سبحانه سبب هذا التعنت والاقتراح فقال :
(بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) أي إنما دسّاهم وطبع على قلوبهم وأعمى أبصارهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ، ولا يخافون أهوالها ؛ ومن ثم أعرضوا عن التأمل فى تلك المعجزات الكثيرة ، وقد كانت كافية لهم جدّ الكفاية فى الدلالة على صدق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة ، فطلب الزيادة يكون من التعنت الذي لا مسوّغ له.
ثم وبخهم على إعراضهم عن التذكرة فقال :
(كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) أي ليس الأمر كما يقول المشركون فى هذا القرآن من أنه سحر يؤثر ، بل هو تذكرة من الله لخلقه ذكّرهم به ، فليس لأحد أن يعتذر بأنه لم يجد مذكّرا ولا معرّفا.
ثم ذكر ما هو كالنتيجة لما سلف فقال :
(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي فمن شاء من عباده أن يذكره ولا ينساه ويجعله نصب عينيه فعل ، فإنّ نفع ذلك راجع إليه ، وبه سعادته فى الدارين.
ثم ردّ سبحانه المشيئة إلى نفسه فقال :
(وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي وما يذكرون هذا القرآن ولا يتعظون بعظاته ويعملون بما فيه إلا أن يشاء الله أن يذكروه ، فلا يستطيع أحد أن يفعل شيئا إلا أن يعطيه الله القدرة على فعله ، إذ لا يقع فى ملكه سبحانه إلا ما يشاء كما قال سبحانه : «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ».