روى أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يدعو على ثقيف لما آذوه حين عرض نفسه على القبائل بمكة فنزل قوله تعالى :
(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي ولا تكن كيونس ابن متّى حين ذهب مغاضبا لقومه ، فكان من أمره ما كان من ركوب البحر والتقام الحوت له ، وشروده به فى البحار ، فنادى ربه فى الظلمات من بطن الحوت وهو مملوء غيظا من قومه إذ لم يؤمنوا حين دعاهم إلى الإيمان.
وجاء فى الآية الأخرى : «فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ».
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) أي لو لا أن تداركته نعمة الله بتوفيقه للتوبة وقبولها منه ، لطرح بالفضاء من بطن الحوت وهو مليم مطرود من الرحمة والكرامة.
(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولكن تداركته نعمة من ربه فاصطفاه وأوحى إليه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ، وجعله من المرسلين العاملين بما أمرهم به ربهم ، المنتهين عما نهاهم عنه.
ثم بيّن بالغ عداوتهم له ، فذكر أنها سرت من القلب إلى النظر فقال :
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا ، حتى ليكادون يزلون قدمك فتصدع حين سمعوك تتلو كتاب الله ، حسدا لك وبغضا.
ويرى بعضهم أن المراد إنهم يكادون يصيبونك بالعين ، وروى أنه كان فى بنى أسد عيّانون ، فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمه الله وأنزل عليه هذه الآية.