الإيضاح
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) أي إن الإنسان جبل على الهلع ، فهو قليل الصبر ، شديد الحرص ، فإذا افتقر أو مرض أخذ فى الشكاة والجزع ، وإذا صار غنيّا أو سليما معافى منع معروفه وشح بماله ، وما ذاك إلا لاشتغاله بأحواله الجسمانية العاجلة ، وقد كان من الواجب عليه أن يكون مشغولا بأحوال الآخرة ، فإذا مرض أو افتقر رضى بما قسم له ، علما بأن الله يفعل ما يشاء ، ويحكم بما يريد ، وإذا وجد المال والصحة صرفهما فى طلب السعادة الأخروية ، وقد استثنى من هذه الحال من اتصفوا بالصفات الآتية :
(١) (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) أي إن الإنسان بطبعه متصف بصفات الذم ، خليق بالمقت إلا من عصمهم الله ووفقهم ، فهداهم إلى الخير ويسر لهم أسبابه ، وهم المصلون الذين يحافظون على الصلوات فى أوقاتها ، لا يشغلهم عنها شىء من الشواغل.
وفى هذا إيماء إلى فضيلة المداومة على العبادة ، أخرج بن حبّان عن أبى سلمة قال : حدثتنى عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملّوا ، قالت فكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليه وإن قلّ ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها ، وقرأ أبو سلمة : الذين هم على صلاتهم دائمون
(٢) (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي والذين فى أموالهم نصيب معين لذوى الحاجات والبائسين ، تقربا إلى الله وإشفاقا على خلقه ، سواء سألوا واستجدوا ، أو لم يسألوا تعففا منهم.
والمراد بهذا الحق المعلوم : ما يوظفه الرجل على نفسه ، فيؤديه كل جمعة أو كل شهر أو كلما جدت حاجة تدعو إلى بذل المال ، كإغاثة فرد أو إغاثة أمة طرأ عليها