المؤمنين فأبى عليه الكسائي وظن أنّه لا يفعل ، فكتب أبو نواس في رقعة هذين البيتين (١) :
قل للأمير (٢) أراك الله صالحة |
|
لا تجمع (٣) الدهر بين السّخل والذيب |
السخل غرّ وهمّ الذئب غفلته (٤) |
|
والذئب يعلم ما في السّخل من طيب |
ورفعها إلى الرشيد مع بعض الخدم فجاء بها الخادم إلى الكسائي فلما قرأها الكسائي علم أن أبا نواس لا
يقلع عنه إلّا بقضاء حاجته فلما جاءهم أبو نواس في غد وهو لا يشك أن الرقعة وصلت إلى أمير المؤمنين قال له الكسائي : ويحك إن هذا أمر شديد وأكره أن يلحقني فيه المكروه ، ولكني سألطف لك في ذلك فغب عنا عشرة أيام ثم ائتنا كأنك قادم من غيبة فإني سأسلم عليك وأعانقك ويسلم عليك محمّد ويعانقك فتكون قد قبّلته ولم ينكر ذلك عليّ ولا عليك أحد ، قال : ففعل أبو نواس ذلك فغاب عنهم ثم جاء بعد عشرة أيام وأشاع الكسائي عند غيبته أن أبا نواس غاب ، فلما جاءهم أبو نواس قام إليه الكسائي فسلّم عليه وعانقه وسلم أبو نواس على محمّد وعانقه وقبّله ثم أنشأ أبو نواس يقول ذلك (٥) :
قد أظهر الناس ظرفا |
|
يزهو على كل ظرف |
كانوا إذا ما تلاقوا |
|
تصافحوا بالأكفّ |
فأحدثوا الآن رشف الخدود |
|
والرشف يشفي |
فصرت تلثم من شنب |
|
عن طريق التخفّي |
أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ـ فيما قرأ إسناده عليّ وناولني إياه وقال : اروه عني ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (٦) ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا محمّد بن سعيد ، حدّثني أبو ثمامة القيسي (٧) ، نا محمّد بن المنهال (٨) ، نا يزيد بن
__________________
(١) البيتان في ديوانه ص ٤١٦ تحت عنوان «ذئب وحمل» وأخبار أبي نواس لابن منظور ص ١٧١.
(٢) الديوان : للأمين.
(٣) عن الديوان وبالأصل «لا يجمع».
(٤) صدره في الديوان : السخل يعلم أن الذئب آكله.
(٥) الأبيات في أخبار أبي نواس لابن منظور ص ١٧١.
(٦) الخبر في الجليس الصالح الكافي ١ / ٥٠٣.
(٧) إعجامها غير واضح بالأصل والمثبت عن الجليس الصالح.
(٨) الجليس الصالح : المهلب.