عمه ثم قال : قد قتل كاتبه فلان ، ثم قال : والساعة يدعى بك. فنالني جزع شديد ، وغشيني نعاس ودعي بي ، فقال السجّان ليدفع عني : المفتاح مع شريكي ، وبعث ليطلبه ، ورأيت في سامي : كأني ارتطمت في طين كثير ، وكأني قد خرجت منه وما بلّ قدمي منه شيء ، فاستيقظت وتأولت (١) الفرج ، وسمعت حركة شديدة فدخل السجّان بعقبها ، فقال : أبشر ، قد أخذ الجند علي بن إسحاق فحبسوه ، ولم ألبث أن جاءوني فأخرجوني ، وجاءوا بي إلى مجلس علي بن إسحاق ، إلى الفرش الذي كان جالسا عليه وقدامه دواة ، وكتاب كتبه إلى المعتصم في تلك الساعة يخبره بقتل رجاء ويسميه المجوسي والكافر ، فأبطلته وكتبت أنا بالخبر ، ولم أزل أدبر أمر العمل إلى أن تسلم مني ، وحمل علي بن إسحاق إلى حضرة المعتصم فأظهر الوسواس إلى أن تكلم فيه ابن أبي دواد (٢) فأطلق.
وقد ذكر الجاحظ : أن علي بن إسحاق كان موسوسا على الحقيقة ، لأنه ذكر أنه قال : أرى الخطأ قد كثر في الدنيا ، والدنيا كلها في جوف الفلك وإنما تؤتى منه ، وقد تخرم وتخلخل وتزايل ، واغترته عوادي الهرم ، وسأحتال إلى الصعود إليه ، فإني إن نجرته ورندجته وسويته انقلب هذا الخطأ كله إلى الصواب.
وكان الحسن بن رجاء مع أبيه بدمشق فأفلت من علي بن إسحاق ، فقال البحتري فيه ينسبه إلى ترك معاونة أبيه (٣) :
غطا (٤) عليّ ابن إسحاق بفتكته |
|
على غرائب تيه كنّ للحسن |
أنسته تعقيدة (٥) في اللفظ نازلة |
|
لم تبق منه سوى التسليم للزمن |
أبا علي عليك الغوث إن ذكر |
|
الإدراك من طالبي الأوتاد والإحن |
لما رثيت رجاء خلت أنك قد |
|
ثأرته ببكا القمريّ في الفتن (٦) |
دعاك والسيف يغشاه من بدن |
|
بغير رأس ومن رأس بلا بدن |
__________________
(١) عن مختصر ابن منظور ٦ / ٣٣٥ وبالأصل «ناولت».
(٢) بالأصل : «داود» خطأ والصواب ما أثبت.
(٣) الأبيات في ديوان البحتري ط بيروت ٢ / ١٥٥ من قصيدة يهجو الحسن بن رجاء.
(٤) الديوان : عفّى.
(٥) الديوان : تفقيعه.
(٦) الديوان : الفنن.