ففعل أبو بكر ذلك ، فجاءه الحسن فأقرأه توقيع أبي الصقر إليه في أمر القدح فقال : قد كان عندي القدح وانكسر. فكتب أبو بكر إلى أبي الصّقر بذلك ، فأجابه أن مثل هذا القدح إذا انكسر. لم يرم بزجاجه فليحضره مكسّرا على أني أعلم أن هذا القول إخبار منه فعده عني الإحسان إن أحضره وتواعده بالإساءة إن أخره ، فأقرأه التوقيع وما كتب فيه ، وقال له : والله يا ابن أخي ما أرى لك أن تمنعه من ولد لك لو طلبه منك فضلا عن عرض لا قدر له سيما مع هذا الوعيد ، فقال : أنا أحضر القدح على شرط قال : وما هو؟ قال : اكتب معه أبياتا من الشعر تنفذها مع القدح إليه ، قال : فافعل ، فأخذ دواة وكتب إلى منزله وأنفذ له القدح وكتب :
سلّم على أربع بالكرح نقلاها |
|
من أجل جارية فيهن نهواها |
تمكنت نوب الأيّام منك بها |
|
والدهر إن أسلف الحسنى تقضاها |
يا بؤس قلبك ما أقصى مراميه |
|
وشجو نفسك ما أدنى بلاياها |
وحليب عيش مضى ما كان أنعمه |
|
أيام أيامنا فيه نملاها |
أشكو إليك أبا بكر شجي بهوى |
|
أطعته من صبا نفسي فعاصاها |
فأسعد الصب إن كنت امرأ غزلا |
|
وأعطف على ذي البلا إن كنت أوّاها |
قد جاءك القدح المسلوب بهجته |
|
مذ حيل دون التي أدنت له فاها |
حكى تورد خديها وتفضله |
|
لعجز ما صنعه أن يحكي الله |
عهدي به في يد (١) حسناء قد نظمت |
|
عليه من لؤلؤ سمط ثناياها |
فالكف حمراء مما قد تخطّفها |
|
والراح عرى مما قد تلقاها |
خذه إليك عزيزا أن يجاد به |
|
لو أن أخرى ليالينا كأولاها |
لكن ضلة رأي أن أرى كلفا |
|
بغادة نشبت في الغدر كفّاها |
أو صائنا قدحا مسّته ريقتها |
|
وقد ترشّفها غيري وفداها |
فإن تفتنا بها الأيام مرغمة |
|
عمدا ويسعد فيها الدّهر مولاها |
فقد جرى بيننا ما ليس نذكره |
|
إلّا تنغص دنياه ودنياها |
وجاء بهذا الشعر إلى أبي بكر فلما قرأه قال : أين يذهب بك والله لأوقف الوزير عليه ولأنفذنه إليه وجيء بالقدح وكتب إلى أبي الصقر رقعة جميلة يقول فيها إن الحسن
__________________
(١) الأصل : يدي.