وأبدلت أيضا من نون «إنسان» الأولى ، على غير اللزوم ، فقالوا «إيسان». قال عامر بن جؤين :
فيا ليتني ، من بعد ما لاف أهلها ، |
|
هلكت ، ولم أسمع بها صوت إيسان (١) |
وقالوا في الجميع «أياسين» بالياء. والأصل النون ، لأنّ «إنسانا» و «أناسيّ» بالنون أكثر منه بالياء.
وأبدلت أيضا ، على اللزوم ، من نون «ظربان» ونون «إنسان» التي بعد الألف ، في الجمع ، فقالوا «أناسيّ» و «ظرابيّ». فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث ، لشبهها بها. فكما يبدلون من همزة التأنيث ياء ، فيقولون في «صحراء» : «صحاريّ» ، فكذلك فعلوا بنون «إنسان» و «ظربان» ، في الجمع.
وأبدلت أيضا من النون في «تظنّيت» ، لأنه «تفعّلت» من الظّنّ. فأصله «تظنّنت» ، فأبدلت النون ياء ، هروبا من اجتماع الأمثال.
وأبدلت أيضا على اللزوم ، من النون في «تسنّى» بمعنى : تغيّر. ومن ذلك قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) [البقرة : ٢٥٩] ، فحذفت الألف المبدلة من الياء للجزم. والأصل «يتسنّن» فأبدلت النون ياء ، هروبا أيضا من اجتماع الأمثال. والدليل على ذلك قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦] أي : متغيّر. فقوله تعالى : (مَسْنُونٍ) يدلّ على أنّ «يتسنّ» في الأصل من المضعّف كـ «مسنون» ، وليس من قبيل المعتلّ.
فهذا جميع ما أبدلت فيه الياء من النون.
وأبدلت من اللّام في «أمليت الكتاب». إنما أصله «أمللت» ، فأبدلت اللّام الأخيرة ياء ، هروبا من التضعيف. وقد جاء القرآن باللغتين جميعا. قال تعالى : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥]. وقال عزّ وجلّ : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) [البقرة : ٢٨٢]. وإنما جعلنا اللّام هي الأصل ، لأنّ «أمللت» أكثر من «أمليت».
وأبدلت من الصاد على غير اللزوم في «قصّيت أظفاري» بمعنى «قصّصت». فأبدلوا من الصاد الأخيرة ياء ، هروبا من اجتماع الأمثال ، حكى ذلك اللّحيانيّ.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعامر بن جرير الطائي في لسان العرب ، مادة (أنس) ولعامر بن جؤين في المقرب ٢ / ١٧١.