وإن كان مفردا فحكمه عند سيبويه والخليل كحكم الجمع. فإذا بنيت من البياض اسما على «فعل» قلت «بيض». فـ : «ديك» ، على مذهب سيبويه ، يحتمل أن يكون «فعلا» و «فعلا». وأبو الحسن يقلب الياء واوا ، ويقرّ الضّمّة ، فيقول «بوض». ولا يكون «ديك» عنده إلّا «فعل». وحجّته أنّ قلب الضمّة كسرة قد استقرّ في الجمع ، نحو «بيض» في جمع أبيض ، ولم يستقرّ في المفرد ، والقياس يقتضي التفرقة ، لأنّ الجمع أثقل من الواحد ، فهو أدعى للتخفيف. فلذلك قلبت الضّمّة كسرة في الجمع ، لتصحّ الياء ، ولم تقلب الياء واوا ، لأن الياء أخفّ من الواو. وأما المفرد فلكونه أخفّ من الجمع يحتمل فيه الواو.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، بدليل ما ذكرناه في «مبيع» وأمثاله ، من أنه لمّا اجتمع ساكنان وحذفت الواو ـ على مذهب سيبويه ـ جاءت الياء ساكنة ، وقبلها ضمّة ، تلي الطّرف فقلبت الضّمّة كسرة لتصحّ الياء. وقد تقدّم الدليل على صحّة ذلك. فكذلك في «فعل» من الياء ، ينبغي أن تقلب الضّمّة كسرة ، لتصحّ الياء. فأما قوله :
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة |
|
أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري (١) |
فقلب الياء من «مضوفة» واوا ، وأقرّ الضّمّة مع كون الياء تلي الطّرف ، لأنّ الأصل «مضيفة» لأنه من «ضاف يضيف» ، ثم نقلت الضّمّة إلى الساكن قبلها ، فصار «مضيفة» فجاءت الياء ساكنة بعد ضمّة ، ثم قلبت الياء واوا ـ فشاذّ لا يعرّج عليه. بل ينبغي أن يعوّل على باب «مبيع» و «مكيل» لأنّه مطرّد. وكذلك ما حكاه الأصمعيّ ، من أنهم يقولون للريح الحارّة «هيف» و «هوف» ، فلا حجّة فيه لأبي الحسن ، في قوله في «فعل» من البيع : «بوع» ، فيقلب الياء واوا ويقرّ الضمّة ، لاحتمال أن يكونا لغتين ، فيكون «هيف» من ذوات الياء ، و «هوف» من ذوات الواو. نحو «التّيه» و «التّوه». ويحتمل أن يكون «الهيف» و «الهوف» معا من ذوات الواو ، فيكون أصل «هيف» : «هيوف» مثل «ميّت» ، ثم أدغمت الياء في الواو فقلبت الواو ياء فصار «هيّف» وحذفت ، فقالوا «هيف» كما قالوا «ميت».
وإن كان على «فعل» من الواو ، بكسر الفاء وفتح العين ، جمعا لما قلبت الواو ياء أو ألفا ، فإنّ الواو تنقلب فيه ياء لانكسار ما قبلها ، مع أنهم أرادوا أن تعتلّ في الجمع كما
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأبي جندب الهذلي في شرح أشعار الهذليين لأبي سعيد السكري ١ / ٥٨٨ ، والمعاني الكبير لابن قتيبة ص ٧٠٠ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (جور ، ضيف ، كون) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق لابن السكيت ص ٢٤١.