على انتفاء الجواب لأمرين ؛ أحدهما : أن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة ، وفى هذا الأثر دلّ مفهوم الموافقة على عدم المعصية ، لأنه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى ، وإذا تعارض هذان المفهومان قدّم مفهوم الموافقة ، الثانى : أنه لما فقدت المناسبة انتفت العليّة ، فلم يجعل عدم الخوف علة عدم المعصية ، فعلمنا أن عدم المعصية معلل بأمر آخر ، وهو الحياء والمهابة والإجلال والإعظام ، وذلك مستمرّ مع الخوف ، فيكون عدم المعصية عند عدم الخوف مستندا إلى ذلك السبب وحده ، وعند الخوف مستندا إليه فقط أو إليه وإلى الخوف معا ، وعلى ذلك تتخرج آية لقمان ؛ لأن العقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن لا تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى ، وكذا (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لأن عدم الاستجابة عند عدم السماع أولى ، وكذا (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) فإن التولى عند عدم الإسماع أولى ، وكذا (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) فإن الإمساك عند عدم ذلك أولى.
والثانى : أن يكون الجواب مقررا على كل حال من غير تعرض لأولوية نحو (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) فهذا وأمثاله يعرف ثبوته بعلة أخرى مستمرة على التقديرين ، والمقصود فى هذا القسم تحقيق ثبوت الثانى ، وأما الامتناع فى الأول فإنه وإن كان حاصلا لكنه ليس المقصود.
وقد اتضح أن أفسد تفسير للوقول من قال : حرف امتناع لامتناع ، وأن العبارة الجيدة قول سيبويه رحمهالله : حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وقول ابن مالك : حرف يدل على انتفاء تال ، ويلزم لثبوته ثبوت تاليه ، ولكن قد يقال : إن فى عبارة سيبويه إشكالا ونقضا.
فأما الإشكال فإن اللام من قوله «لوقوع غيره» فى الظاهر لام التعليل ، وذلك فاسد ، فإن عدم نفاد الكلمات ليس معللا بأن ما فى الأرض من شجرة أقلام وما بعده ، بل بأن صفاته سبحانه لا نهاية لها ، والإمساك خشية الإشفاق