الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى ، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام ، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف ، بل الاستمرار على الشىء.
وزعم الزمخشرى أنّ التى فى قوله تعالى : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) مفسرة ، وردّه أبو عبد الله الرازى بأنّ قبله (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) والوحى هنا إلهام باتفاق ، وليس فى الإلهام معنى القول ، قال : وإنما هى مصدرية ، أى باتخاذ الجبال بيوتا.
والرابع : أن لا يكون فى الجملة السابقة أحرف القول ؛ فلا يقال «قلت له أن أفعل» وفى شرح الجمل الصغير لابن عصفور أنها قد تكون مفسّرة بعد صريح القول ، وذكر الزمخشرى فى قوله تعالى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على تأويله بالأمر ، أى ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به أن اعبدوا الله ، وهو حسن ، وعلى هذا فيقال فى هذا الضابط : أن لا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤوّل بغيره ، ولا يجوز فى الآية أن تكون مفسرة لأمرتنى ؛ لأنه لا يصح أن يكون (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) مقولا لله تعالى ؛ فلا يصح أن يكون تفسيرا لأمره ؛ لأن المفسّر عين تفسيره ، ولا أن تكون مصدرية وهى وصلتها عطف بيان على الهاء فى به ، ولا بدلا من ما ، أما الأول فلأن عطف البيان فى الجوامد بمنزلة النعت فى المشتقات ، فكما أن الضمير لا ينعت كذلك لا يعطف عليه عطف بيان ، ووهم الزمخشرى فأجاز ذلك ذهولا عن هذه النكتة ، وممن نص عليها من المتأخرين أبو محمد بن السيّد وابن مالك ، والقياس معهما فى ذلك ، وأما الثانى فلأن العبادة لا يعمل فيها فعل القول ، نعم إن أوّل القول بالأمر كما فعل الزمخشرى فى وجه التفسيرية جاز ، ولكنه قد فاته هذا الوجه هنا فأطلق المنع.
فإن قيل : لعل امتناعه من إجازته لأن «أمر» لا يتعدّى بنفسه إلى الشىء المأمور به إلا قليلا ؛ فكذا ما أول به.