أن العرب بعضهم يقول : بَعُدَ ، وبعضهم : بَعِدَ مثل سَحِقَ وسَحُق. ومن الناس من يقول بَعُدَ في المكان وبَعِدَ في الهلاك. وقال يونس : العرب تقول : بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إذا تَبَاعَدَ في غير سَبّ. ويقال في السبّ : بَعِدَ وسَحِق لا غير.
وقال ابن عباس في قوله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فُصّلَت : ٤٤] بعيد قال : سألوا الردّ حين لا رَدّ. وقال مجاهد : أراد : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من قلوبهم. وقال بعضهم : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من الآخرة إلى الدنيا. وقوله جلّ وعزّ : (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [سبأ : ٥٣] قال : قولهم : (ساحِرٌ) ، (... كاهِنٍ ...) ، (شاعِرٌ). وقال الزجّاج في قوله جلّ وعزّ في سورة السجدة : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي بعيد من قلوبهم يَبعد عندهم ما يتلى عليهم. وقال الليث : يقال : هو أبْعَدُ وأَبْعَدُون وأقرب وأقربون وأباعد وأقارب. وأنشد :
من الناس من يغشى الأباعِدَ نفعُه |
ويشقى به حتى الممات أقارِبُهْ |
|
فإنْ يَكُ خيراً فالبعيد يناله |
وإِنْ يَكُ شَرّاً فابن عمّك صَاحِبُهْ |
وقال حُذّاق النحويين : ما كان من أفعَل وفُعلَى فإنه تدخل فيه الألف واللام كقولك : هو الأَبْعَدُ والبُعْدَى والأقرب والقُرْبَى وقال ابن شميل : قال رجل لابنه إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً ورجعْتَ بغير أَبْعدَ أي بغير منفعة.
وقال أبو زيد : يقال : ما عندك أَبْعَد.
وإنك لَغَير أَبْعَدَ أي ما عنده طائل إذا ذمّه.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي إنه لذو بُعْدَة أي ذو رأيٍ وحَزْمٍ ، وإنك لغير أبعَد أي لا خير فيك ليس لك بُعْدُ مَذهبٍ وقال صخر الغيّ :
الموْعِد ينافي أن تُقَتِّلهم |
أفناء فَهْم وبيننا بُعَدُ |
أي أفناء فهم ضروب منهم بُعَد جمع بُعْدة. وقال الأصمعي : أتانا فلان من بُعْدَة أي من أرض بعيدة. وأنشد ابن الأعرابي :
يكفيك عند الشّدة البئيسَا |
ويعتلي ذا البُعْدة النُحُوسا |
ذا البُعدَة : الذي يُبعِد في المعاداة. وقال ابن الأعرابي : رجل ذو بُعْدة إذا كان نافذ الرأي ذا غَوْرٍ وذا بُعْدِ رأي. وقال النضر في قولهم : هلك الأبعد قال : يعني صاحبَه. وهكذا يقال إذا كُنِيَ عن اسمه ويقال للمرأة هلكت البُعْدَى. قلت : هذا مِثل قولهم : فلا مرحباً بالآخَر إذا كنَى عن صاحبه وهو يذمّه. أبو عبيد عن أبي زيد : لقِيته بُعَيْدات بَيْن إذا لقيته بعد حين ثم أمسكت عنه ثم أتيته. وأنشد شمر :
وَأَشعَث مُنَقَّد القميص دعوته |
بُعَيْداتِ بَيْنٍ لا هِدانٍ ولا نِكْسِ |
وقال غيره : إنها لتضحك بُعَيْدات بينٍ أي بين المرّة ثم المرّة في الحِين. وقال الأصمعي : هم مني غيرُ بَعَدٍ أي ليسوا ببعيد. وانطلِقْ يا فلان غير بَاعِدٍ أي لا ذهبتَ