يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم بثنّيتيه الغبارُ» ، فإن لم يكن غلطاً من المحدِّث فهي لغة في عَصَب ، والباء والميم يتعاقبان في حروف كثيرة ، لقرب مخرجيهما ، يقال ضَرْبَةُ لازبٍ ولازم ، وسبّد رأسه وسمَّده. وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال : رجل معصَّب أي فقير قد عصَّبه الجهد ، وهو من قوله جل وعز : (يَوْمٌ عَصِيبٌ) [هُود : ٧٧].
وقال بعضهم : (يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي شديد مأخوذ من قولك : عَصَبَ القومَ أمرٌ يعصِبهم عَصْباً إذا ضمَّهم واشتد عليهم. وقال ابن أحمر :
يا قومِ ما قومي على نأيهم |
إذ عَصَب الناس شَمَال وقرّ |
وقوله : ما قومي على نأيهم تعجّب من كرمهم ، وقال : نِعم القوم هم في المجاعة إذ عصب الناس شَمال أي أطاف بهم وشملِهم بَرْدَها. ويقال للرجل الجائع يشتدّ عليه سَخْفة الجُوع فيعصِّب بطنه بحجر : مُعَصَّب. ومنه قوله :
ففي هذا فنحن لُيُوث حرب |
وفي هذا غيوث مُعَصَّبينَا |
وقال الأصمعيّ : العَصْب : غَيْم أحمر يكون في الأفُق الغربيّ يظهر في سِنِي الجَدْب. وقال الفرزدق :
إذا العَصْب أمسى في السماء كأنه |
سَدَى أُرْجوان واستقلَّت عَبُورها |
أبو عُبيد عن أبي عُبَيدة : المعصَّب : الذي عصَّبته السِنُون أي أكلت ماله. وقال الله جل وعز : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف : ٨]. قال أبو عبيد : قال أبو زيد : العُصْبة من العَشَرة إلى الأربعين. وقال الأخفش : العُصْبة والعِصابة : جماعة ليس لها واحد. وذكر ابن المظفّر في كتابه حديثاً : إنه يكون في آخر الزمان رجل يقال له : أمير العُصَب ، فوجدت تصديقه في حديث حدّثنا به محمد بن إسحاق عن الرماديّ عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عُقْبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك : أبو بكر الصديق أصبتم اسمه. عمر الفاروق قَرْن من حديد أصبتم اسمه. عثمان ذو النورين كِفلَيْن من الرحمة لأنه يُقتل مظلوماً ، أصبتم اسمه. قال : ثم يكون مَلِك الأرض المقدَّسة وابنه. قال عُقبة : قلت لعبد الله سمّهما. قال : معاوية وابنه. ثم يكون سفَّاح ، ثم يكون منصور ، ثم يكون جابر ، ثم مهديّ ، ثم يكون الأمين ، ثم يكون سين وسلام يعني صلاحاً وعافية ، ثم يكون أمير العُصَب ، ستة منهم من ولد كعب بن لؤيّ ورجل من قحطان كلهم صالح لا يُرَى مثله. قال أيوب : فكان ابن سيرين إذا حَدَّث بهذا الحديث قال : يكون على الناس ملوك بأعمالهم.
قلت : وهذا حديث عجيب وإسناده صحيح والله أعلم بالغيوب.
والعَصْب من برود اليمن ، معروف. وقال الليث : سمّي عَصْباً لأن غَزْله يُعصَب ، ثم يُصبغ ثم يحاك ، وليس من برود الرقْم.