ويروى أن جعفر الخواص حج قريبا من ستين حجة ماشيا.
وعن إبراهيم بن أحمد قال : سمعت جرار بن بكر الدبيلى قال : أحرمت من تحت صخرة بيت المقدس فدخلت بادية تبوك إلى أن وصلت مكة ، فدخلت المسجد الحرام فإذا أبو عبد الله بن الجلاء جالس فى شق الطواف فسلمت عليه وقبلت رأسه ، فقال : يا بنى من أين أحرمت؟ قلت له : من تحت صخرة بيت المقدس ، فقال : من أى طريق جئت؟ فقلت : من طريق تبوك ، فقال : على شرط التوكل؟ فقلت : نعم ، فقال : يا بنى ، إنى أعرف رجلا حج اثنين وخمسين حجة على التوكل وهو يستغفر الله تعالى من ذلك ، فقلت له : يا عم بحق هذا البيت من هو؟ قال : أنا استغفر الله.
ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فى أن حج الآفاقى راكبا أفضل أو ماشيا؟ فعند الحنفية راكبا أفضل من المشى وهو أحد قولى الشافعى رحمه الله وهو الأصح من قوليه (١).
والقول الثانى : أن المشى أفضل ؛ وهو قول داود ؛ لقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «للماشى فضل على الراكب كفضل ليلة القدر على سائر الليالى» (٢).
وقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «للحاج الراكب بكل خطوة ...» الحديث إلى آخره (٣).
ولقول ابن عباس لبنيه عند الموت أن يحجوا مشاة. ودليل الحنيفة وأصح قولى الشافعى (٤) : أن النبى صلىاللهعليهوسلم حج راكبا ، فاتباعه أولى ؛ ولأن فى الركوب إنفاقا ومؤونة
__________________
(١) هداية السالك ١ / ٣٥ ، الفتاوى الهندية ١ / ٣٠٣. ويرى الإمام مالك أيضا أن الحج راكبا أفضل.
(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، بلفظ «كفضل ليلة البدر على النجوم». وهذا الرأى هو رأى الحنابلة وبعض المالكية.
(٣) أخرجه : الحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وقال الذهبى : ليس بصحيح وأخشى أن يكون كذابا. والبيهقى فى الشعب (٣٩٨١) ، والسنن ٤ / ٣٣١ ، وقال فيه عيسى بن سوادة : مجهول. وقال ابن التركمانى : أخرج له الحاكم فى المستدرك ، وذكره ابن حبان فى الثقات.
(٤) هداية السالك ١ / ٣٥ ، القرى (ص : ٤٦).