فلك المنة علىّ ، وإن عصيتك بجهلى فلك الحجة لدى ؛ فبإظهار منّتك علىّ وبإثبات حجتك لدىّ أن ترحمنى وتغفر ذنوبى ولا تحرمنى رؤية جدّى وقرة عينى حبيبك وصفيك ونبيك محمدا صلىاللهعليهوسلم فى دار كرامتك ، ثم أنشأ يقول :
أتيت إليك رب العالمينا |
|
وخلّيت الخلائق أجمعينا |
وجئت إليك قصدا يا إلهى |
|
فأنت السور والملجا الحصينا |
أنخت بباب عفوك يا رجائى |
|
لترحمنى بعفوك يا معينا |
فأنت الله ذو الأفضال حقا |
|
وأنت المؤنس المستوحشينا |
ثم قال : يا سيدى ومولاى الحسنات لا تسرك ، والسيئات لا تضرك ، يا كريم أكرمنى ، ثم أنشأ يقول :
ألا أيها المأمول فى كلّ حاجة |
|
شكوت إليك الضر فارحم شكايتى |
ألا يا رجائى أنت كاشف كربتى |
|
فهب لى ذنوبى كلّها واقض حاجتى |
فزادى قليل لا أراه مبلّغى |
|
أللزاد أبكى أم لبعد مسافتى؟ |
أتيت بأعمال قباح دنيّة |
|
وما فى الورى خلق جنى كجنايتى |
أتحرقنى بالنار يا غاية المنى |
|
فأين رجائى ثمّ أين مخافتى؟ |
قال الأصمعى : وكان يكرر هذه الأبيات حتى سقط على الأرض مغشيا عليه ، فدنوت منه فإذا هو زين العابدين علىّ بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ فوضعت رأسه فى حجرى ، وبكيت بكاء شديدا إشفاقا عليه ؛ لرقة قلبه. فقطرت من دموعى قطرة على وجهه فأفاق من غشيته وفتح عينيه ، وقال : من ذا الذى أشغلنى عن مولاى؟ فقلت : أنا الأصمعى يا سيدى ، ما هذا البكاء وما هذا الجرع؟ وأنت من أهل البيت الطاهر ومعدن النبوة والكرامة ، أليس الله تعالى يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١).
__________________
(١) سورة الأحزاب : آية ٣٣.