عنى ، فلم يزل يراجعها الكلام إلى أن تعرف منزلها ، ثم انصرف فحمل معه نفقة وكسوة وزادا على بغل وجاء وطرق الباب ففتحت فنزل عن البغل وربطه ودخل البيت ثم قال للمرأة : هذا البغل وما عليه من النفقة والكسوة والزاد لكم ، ثم أقام حتى رجع الحاج ، فجاءه قوم يهنؤنه بالحج ، فقال : ما حججت السنة ، فقال له بعضهم : سبحان الله ألم أودعك نفقتى فى موضع كذا وكذا؟ وقال آخر : ألم تشتر لى كذا وكذا؟ فقال : ما أدرى ما تقولون ؛ أما أنا لم أحج العام ، فلما كان الليل أتى فى منامه فقيل له : يا عبد الله بن المبارك إن الله عزّ وجلّ قد قبل صدقتك وإنه بعث ملكا على صورتك فحج عنك (١).
وحكى عن بعض السلف أنه نودى بالحج ومعه ثمان مائة درهم فعرض له ذات يوم حاجة ، فبعث ولده إلى بعض جيرانه فرجع الولد يبكى ، فقال : ما لك؟ قال : دخلت على جارنا وعندهم طبيخ فاشتهيته فلم يطعمونى ، فذهب الرجل إلى جاره يعاتبه على ما فعل ، فبكى الجار ، فقال : ألجأتنى أن أكشف حالى ، إنا منذ خمسة أيام لم نطعم شيئا فطبخنا اليوم ميتة وأكلنا ، وعلمت أن ولدك يجد شيئا ولا يحل له أكل الميتة ، فتعجب الرجل ، وقال لنفسه كيف النجاة وفى جوارك مثل هذا الرجل وأنت تتأهب للحج؟ فرجع إلى بيته وأعطاه الثمان مائة درهم ، فلما كان عشية عرفة رأى ذو النون المصرى فى منامه وهو بعرفة كأن قائلا يقول : يا ذا النون ترى هذا الزحام على هذا الموقف؟ قال : نعم ، قال : ما حج منهم إلا رجل واحد تخلف عن الوقوف فحج بهمته فوهب الله له أهل الموقف ، قال ذو النون : من هو؟ قال : هو رجل يسكن دمشق ، فذهب ذو النون إلى دمشق وبحث عنه حتى عرفه وسلّم عليه (٢).
__________________
(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٩).
(٢) هذه الحكاية مجهولة الإسناد ، وعلامات الوضع فيها لائحة. وقد ذكرها ابن الجوزى فى كتابه «مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٩ ـ ٣٧٠).