وارج رحمته وقبوله ؛ لأن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين عامة تامة شاملة على كل مخلوقاته ، ورحمته تعالى سابقة على غضبه كما قال تعالى : «أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتى غضبى» وقوله عزّ وعلا : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١). وقول الملائكة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)(٢).
وينبغى أن يكون رجاؤك هاهنا أغلب على الخوف ؛ فإن كرم الكريم عميم وشرف الحرم جسيم ، وحق الزائر على المزور عظيم.
فإذا دخل الطواف يبتدئ بالحجر الأسود ويقف بحياله ويستقبله بوجهه رافعا يديه حذاء أذنيه كما فى الصلاة ؛ لقوله عليهالسلام : «لا ترفع الأيدى إلا فى سبع مواطن : فى افتتاح الصلاة ، وفى القنوت ، وفى العيدين ، وعند استلام الحجر ، وعلى الصفا والمروة ، وبعرفات ، وبجمع» (٣).
ولو قال عند ذلك : اللهم إنى أريد طواف بيتك المحرم فيسره لى وتقبله منى ، يكون أحسن وأحوط ، ثم يكبر بعد النية ويرسل يديه ، ثم يستلم الحجر ؛ لما روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم : «من استلم الركن الأسود فقد بايع الله ورسوله» (٤).
وهو على مثال يمين الملك يقبله ويصافحه ويبايعه الوفاد عليه ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الركن يمين الله فى الأرض يصافح بها كما يصافح أحدكم أخاه». ومن لم يدرك بيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم مسح الركن فقد بايع الله ورسوله.
وتفسير الاستلام : أن يضع كفيه على الحجر ويقبله إن أمكن ، من غير إيذاء أحد.
وقال الشافعى : يسجد عليه إن أمكن ؛ لما روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٥٦.
(٢) سورة غافر : آية ٧.
(٣) جمع هى المزدلفة.
(٤) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٩١٩) ، الديلمى فى الفردوس (٢٦٣٠). والمعنى أن من صافحه فى الأرض كان له عند الله عهد. وقال فى النهاية : هذا كلام تخييل وتمثيل ، وأصله : أن الملك إذا صافح رجلا قبّل الرجل يده ، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حين يستلم ويلثم.