المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من غفار عين يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هل تبيعها بعين فى الجنة»؟ ، فقال : يا رسول الله ليس لى ولعيالى عين غيرها لا أستطيع ذلك ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، فأتى النبى صلىاللهعليهوسلم فقال : أتجعل لى مثل الذى جعلت له عينا فى الجنة ، وإنى اشتريتها ، قال : «نعم» قال : فقد اشتريتها وجعلتها للمسلمين (١).
وروى الزّبير أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «نعم الصدقة صدقة عثمان» (٢) يعنى : بئر رومة.
وفى صحيح البخارى من حديث أبى عبد الرحمن السلمى : أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس وقال : أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم ، ألستم تعلمون أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم؟ فصدقوه بما قال (٣).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم الحفيرة حفيرة المزنى» (٤) يعنى : بئر رومة.
قال المطرى : وقد خربت هذه البئر ـ يعنى : بئر رومة ـ ونقضت حجارتها وأخذت وانطمّت ولم يبق اليوم إلا أثرها. ولكن ينبغى أن تعلم أنها جددت بعد ذلك ورفع بنيانها عن الأرض نحو نصف قامة والآن ماؤها غير حلو جدا ، أحياها الإمام المفتى المتقى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن محب الدين الطبرى قاضى مكة المشرفة فى سنة خمسين وسبع مائة فتناوله عموم الحديث.
ومنها : بئر أخرى قد حوط عليها ببناء مجصص وكان شفيرها حوض لم يزل أهل المدينة يتبركون بها ويشربون من مائها وينقل ماؤها إلى الآفاق كماء زمزم بل ويسمونها زمزم ، ولعل هذه البئر هى التى احتفرتها فاطمة بنت الحسين بن على
__________________
(١) أخرجه : السمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٩ ، وعزاه للبغوى فى الصحابة ، وذكره الهندى فى كنز العمال ٥ / ٩.
(٢) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٤ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.
(٣) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٣ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٧.
(٤) وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.