الأقدار تحت أقدام علو منارها كما قيل :
تزاحم تيجان الملوك ببابه |
|
ويكثر فى يوم القدوم ازدحامها |
إذا ما رأته من بعيد ترجّلت |
|
وإن هى لم تفعل يرجل هامها |
وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن على رضى الله عنه ، أنه قال : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)(١) الآية. غضب عليهم ربهم فعاذوا بالعرش وطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم ، وقال لهم : ابنوا لى بيتا فى الأرض يعوذ به كل من سخطت عليه من خلقى ، فيطوفون حوله كما فعلتم بعرشى ، فأغفر لهم كما غفرت لكم ، فبنوا له هذا البيت من خمسة أجبل : طور سيناء ، وطور زيتا ، والجودى ، وحراء ، ولبنان ، وإن جبريل ـ عليهالسلام ـ ضرب بجناحه الأرض ، فأبرز عن أسّ ثابت على الأرض السفلى ، فقذفت فيه الملائكة الصخرة ما لا يطيق به ثلاثون رجلا ، فبنوه تسعة أذرع ولم يسقفوه (٢).
ومن المعقول أيضا ـ اعلم وفقك الله وإيانا ، وثبت أقدامنا على جادة الشريعة القويمة والطريق المستقيم فى طاعة رب العالمين ، وكحل أبصارنا بنور سراج المشاهدة والعرفان ، وزين بواطننا بضياء شعاع معرفة الإيمان والإيقان ، وطهر قلوبنا بصائر نور التوحيد من دنس الشرك والنفاق والطغيان ، ورزقنا الله تعالى جلوة جمال كعبته باللطف والإحسان ، بمنه وكرمه والامتنان.
إن فضائل مكة المعظمة شرفها الله تعالى لا تعد ولا تحصى ولو لم يكن فيها غير أنها مهبط الوحى ، ومسقط رأس خير الأنام ، ومنزل القرآن ، ومظهر الإيمان والإسلام ، ومنبت الخلفاء الراشدين الكرام ، ومقر أهل العرفان ، ومقهر الشرك والطغيان ، وملاذ العابدين ، وملجأ الصالحين ، ومقصد الطالبين ، وقرة عين المشتاقين ، ومأوى الخائفين ، ومقار العابدين ، لكفى ذلك شرفا وفضلا وعزا وقدرا ؛ فكيف وفيها بيت الله الحرام ، والحجر والحجر وزمزم والمقام ، ودار
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٣٠.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣.