فيها نور يلتهب من نور الجنة ، ونزل معه الركن وهو يومئذ ياقوته بيضاء من ربض الجنة ، وقيل : من رياض الجنة ، وكان كرسيا لآدم ـ عليهالسلام ـ.
فلما صار آدم بمكة حرسها الله ـ تعالى ـ وحرس له تلك الخيمة بالملائكة ؛ كانوا يحرسونها ويزودون عنها ساكن الأرض ـ وسكانها يومئذ الجن والشياطين ـ فلا ينبغى لهم أن ينظروا إلى شىء من الجنة ؛ لأن من نظر إلى شىء من الجنة وجبت له ، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تتنجس ، ولم تسفك فيها الدماء ، ولم تعمل فيها الخطايا ؛ فلذلك جعلها الله تعالى مسكنا للملائكة ، وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم ، كل الحلّ من خلفهم والحرم كله من أمامهم ، فلا يجوزهم جنّىّ ولا شيطان ، ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة.
وحرّم الله ـ تعالى ـ على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم ، من أجل خطيئتها التى أخطأتها فى الجنة ؛ فلم تنظر إلى شىء من ذلك حتى قبضت ، وأن آدم ـ عليهالسلام كان إذا أراد لقاءها ليلمّ بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها ، فلم تزل خيمة آدم ـ عليهالسلام ـ مكانها حتى قبض الله ـ تعالى ـ آدم ـ عليهالسلام ـ ورفعها الله ـ تعالى ـ إلى السماء.
ثم بنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة ، فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح ـ عليهالسلام ـ فنسفه الغرق وخفى مكانه ؛ فلما بعث الله ـ عز وجل ـ إبراهيم خليله ـ عليهالسلام ـ طلب الأساس ، فلما وصل إليه ظلل الله له مكان البيت بغمامة ، فكانت حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظلل إبراهيم وتهديه مكان القواعد ، حتى رفع إبراهيم القواعد قدر قامته ، ثم انكشفت الغمامة ؛ فذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ). أى : الغمامة التى ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد ، فلم يزل بحمد الله منذ رفعه الله ـ تعالى ـ معمورا (١).
__________________
(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٥١ ـ ٥٢ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧١ ، ١٧٢.