فى تداولها ، والتعلّق بها ، وخرجوا فى ذلك عمّا تقرّه الشريعة الإسلامية الغراء ، ولعلّ هذا ما حدا بشيخ الإسلام ابن تيمية إلى تأليف رسالته المعروفة «زيارة بيت المقدس» لما رآه من تجاوزات فى تقديس هذه المدينة ؛ كالوقوف بها عشية عرفة فى عيد الأضحى ، والطواف بالصخرة ، وغير ذلك من معتقدات العامة التى لا تستند إلّا إلى أقوال باطلة لا أصل لها باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، مما جعل ابن تيمية يصف هؤلاء العوام بالجهل والضلال.
وقد تحدث كاتب آخر قدم من الأندلس إلى القدس فى القرن الخامس الهجرى «٤٧٦ ه» ، وهو أبو بكر الطرطوشى عن هذا الإفراط فى النظر إلى قداسة القدس ، فقال : «وقد كنت ببيت المقدس ؛ فإذا كان يوم عرفة ، حشر أهل السواد وكثير من أهل البلد ، فيقفون فى المسجد مستقبلين القبلة مرتفعة أصواتهم بالدعاء ، كأنه موطن عرفة».
ويسجل ابن هشام الأنصارى ، عبد الله بن يوسف بن أحمد ، المتوفى ٧٦١ ه ، فى كتابه «تحصيل الأنس لزائر القدس» مبلغ هذا التردى ، ويعدد أمورا يذكرها أهل البلد ، يغرون بها العوام ورعاع الناس ، كلها أكاذيب وترهات ، أدى إلى القول بها قلة الدين ، وذكر ما يلى فى مخطوطته : «وقد بلغنى أن قوما من الجهلاء يجتمعون يوم عرفة بالمسجد ، وأن منهم من يطوف بالصخرة ، وأنهم ينفرون عند غروب الشمس ، ويرجعون القهقرى ، وكل ذلك ضلال وأضغاث أحلام».
وتبعه كذلك ابن سرور المقدسى ، المتوفى سنة ٧٦٥ ه ، فى كتابه «مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» فيقول : «قاتل الله القصاصين والوضاعين».
ثم يحذر ابن الحاج فى «المدخل» من كثير من هذه البدع ، فيقول : «وليحذر مما يفعله بعضهم من هذه البدعة المستهجنة وهو أنهم يطوفون بالصخرة كما يطوفون بالبيت العتيق.
وليحذر مما يفعله بعضهم من أنهم يتعمدون الصلاة خلف الصخرة حتى يجمعوا فى صلاتهم بنياتهم بين استقبال القبلتين : الكعبة ، والصخرة. واستقبال الصخرة منسوخ باستقبال الكعبة ، فمن نوى ذلك فهو بدعة ، بل ينوى استقبال