قال : فخرج وخرج معه جبريل ، فلا يمر إبراهيم بقرية من القرى ، إلا قال : يا جبريل ، أبهذا أمرت؟ فيقول له جبريل : امض ، حتى قدم مكة ؛ وهى إذا ذاك عضاة من معلم وسمر ، وبها ناس يقال لهم العماليق خارجا من مكة فيما حولها ، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة. فقال إبراهيم لجبريل ـ عليهالسلام ـ : أها هنا أمرت أن أضعهما؟ قال : نعم. قال : فعمد بهما إلى موضع الحجر ، فأنزلهما فيه ، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا. ثم قال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)(١) الآية ، ثم انصرف إلى الشام وتركهما عند البيت الحرام (٢).
وعن محمد بن إسحاق ، أنه قال : بلغنى أن ملكا أتى إلى هاجر أم إسماعيل ؛ حين أنزلها إبراهيم بمكة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت ، فأشار لها إلى البيت ؛ وهى ربوة حمراء مدرة ، فقال لها : هذا أول بيت وضع للناس فى الأرض ، وهو بيت الله العتيق ، واعلمى أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس (٣).
وقال ابن جريج : وبلغنى أن جبريل ـ عليهالسلام ـ هزم بعقبه فى موضع زمزم ، وقال لأم إسماعيل ـ وأشار لها إلى موضع البيت ـ : هذا أول بيت وضع للناس ، وهو بيت الله العتيق ، واعلمى أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه ويعمرانه ، فلا يزال معمورا محرما مكرما إلى يوم القيامة (٤).
وعن ابن جريج ـ أيضا ـ قال : فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد ، ودفنت فى موضع الحجر ، وإسماعيل ـ عليهالسلام ـ لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق أن يدفنه فى الحجر إلى جنب أمه هاجر.
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن الملك الذى أخرج زمزم لهاجر قال لها : وسيأتى أبو هذا الغلام فيبنى بيتا وهذا مكانه ـ وأشار إلى موضع البيت ـ ثم انطلق الملك (٥). وقال ابن عباس : هذا الملك كان غير جبريل عليهالسلام ، والله أعلم.
__________________
(١) سورة إبراهيم : آية ٣٧.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٤ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٣ ، الاكتفا ١ / ٥٢.
(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.
(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.
(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٥٦.