ليس من المُعتاد أن يفرح الإنسان ويبتهج وهو يعلم بدنو أجله وانقطاع حبل حياته من الدنيا ، فتراه إذا ما علم بدنو أجله ، اعتراه الخوف والوجل والاضطراب ، ولربما مات بسبب خوفه من الموت ، إذ أن كل إنسان يحب الحياة والبقاءَ ويتشاءم من الموت.
ولعلك تعجب إذا ما سمعت بأن أصحاب هذه الليلة باتوا ليلتهم وهم أشدُ الناس فرحاً ، وأبهجهم حالةً ، وأربطهم جأشاً ، مستبشرين بما أقدموا عليه وبما يصيرون إليه وقد أخذ يداعبُ بعضهم بعضاً ، مع علمهم بدنو آجالهم ، وأن أجسادهم سوف تصبح عن قريب طعمةً للسيوف ونهبةً للأسنة. ومرمىً للسهام.
ولعله لم تمر عليهم ليلةٌ بأسعد منها ، حتى بدت علىٰ وجوههم الطلاقة والإشراق والطمأنينة لا يستشعرون بخوف ولا وجل ، وذلك أنهم وجدوا أنفسهم يؤدون وظائفهم الشرعية تجاه سبط الرسول صلىاللهعليهوآله ، إذ سوف يحوزون علىٰ أعظم وأقدس شهادة عرفها تاريخ البشرية ، ثم ذلك النعيمُ الدائم الذي لا اضمحلال فيه ، فأصبحوا مصداقاً لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).
__________________
(١) سورة الأحقاف الآية : ١٣ و ١٤.