ومما اتّسمت به أخلاق أهل البيت عليهمالسلام في تعاملهم مع الآخرين أنهم لا يفرضون أنفسهم عليهم بالغلبة والقوة ، بل يتركون لهم حرية اتخاذ القرار بأنفسهم.
كما نجد هذا واضحاً في سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام مع أصحابه ومَنْ حوله ، فلم يقسر أحداً علىٰ موالاته ، أو علىٰ صحبته أو بيعته ، فإن هناك من تخلّف عن بيعته ، ولم يجبر أحداً منهم علىٰ ذلك ، ولم يمنعهم عطاءهم.
ناهيك عن موقف الزبير وطلحة تجاهه ـ وذلك حينما أرادا الانصرافَ عنهُ ، استأذناه في الذهاب إلى العُمرة ، مع علمه عليهالسلام بما يضمراه له من سوءٍ ، فلم يمنعهما من الانصراف بل أذن لهما ، مع علمه أيضاً أنهما سوف يؤلّبان الناس عليه.
ولما خرجا قال عليهالسلام لأصحابه : والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة (١) فتركهما وشأنهما فكانت مكافأتهما له عداوته وجر الناس إلى حربه.
وغيرهما ممن تركه وانصرف عنه كالذين انصرفوا عنه إلىٰ معاوية بن أبي سفيان في جنح الليل ، وقد كان قادراً علىٰ منعهم وردهم إلا أنه ترك لهم حرية الرأي وتحديد المصير ، وإن كان علىٰ خلاف ما يريد ويهوىٰ ما لم يستلزم من ذلك محذوراً آخر يقتضي خلاف ذلك.
نعم لا ينافي هذا أنهم عليهمالسلام يُرشدون أمثال هؤلاء إلىٰ طريق الحق ، كما لا
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٣٢ ، ص ٢٥ ، ح ٨ ، ب ١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١ ، ص ٢٣٢.