لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) (١) ، وقال تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) (٢) ، وقال تعالى : ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) (٣).
وكل هذه الآيات تدلُّ على أن الحقَّ لا يكون دائماً بجانب الكثرة ، وإنما يكون غالباً بجانب القلّة ، ولو أنك تدبَّرت ـ يا أخي ـ لوجدت على مرّ التاريخ أن الأغلبيّة عصاة ، والمخلص المطيع منهم قليل ، والأكثر منهم جهَّال ، والعلماء منهم قليلون ، وأهل المروءة والشجاعة فيهم أقلّ ، وأهل الفضائل والمناقب أفراد ، وأن المدار في معرفة الحقّ والوقوف عليه يعتمد على الدليل والبرهان.
أميرالمؤمنين علي عليهالسلام له أسوة بسبعة من الأنبياء ، وأمَّا ترك علي عليهالسلام جهاد المتقدِّمين بالسيف والسنان فحسبك في جوابه قوله عليهالسلام فيما تضافر عنه نقله ، وحكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج ، وغيره من مؤرِّخيكم ، حيث يقول : لو لا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله تعالى على أولياء الأمر ، أن لا يقارُّوا على كظَّة ظالم ، أو سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها .. (٤).
وأنت ترى ـ يا أخي ـ أن قول علي عليهالسلام هذا صريح كل الصراحة في أنه عليهالسلام إنما ترك جهاد وقتال الخلفاء الثلاثة لعدم وجود الناصر ، وجاهد الناكثين أيام
__________________
١ ـ سورة يونس ، الآية ٦٢.
٢ ـ سورة النحل ، الآية : ٨٣.
٣ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٢٤.
٤ ـ نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين عليهالسلام : ١ / ٣٦ ـ ٣٧ ، خطبة رقم : ٣ ، علل الشرائع ، الصدوق : ١ / ١٥١ ح ١٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ٢٠٢.