شريعتنا الغرّاء أنّ الاختلاف مسموح به ، بل هو رحمة كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اختلاف أمَّتي رحمة (١) ، هذه من أعظم القيم الإسلاميّة وهو إقرار مبدأ الديمقراطية.
كما أن الواقع العملي لسيرة المسلمين وخاصة سيرة السلف الصالح قد أجمعوا على هذا المبدأ ، وأنّ أول شورى حدثت في التاريخ أسفرت عن أعظم حضارة بقيادة الخلفاء كانت نتاج مبدأ الشورى ، وهذا ما أراده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو القائل : لا تجتمع أمَّتي على ضلال (٢) ، وهذا للأمَّة فماذا يكون الحال إذا كان المجمعون هم الصحابة الذين زكَّاهم الله عزّوجل ومدحهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم تكن ـ يا خالي ـ خلافة أبي بكر خارجة عن الدين ، بل هي الدين بعينه.
__________________
١ ـ شرح مسلم ، النووي : ١١ / ٩١ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ١ / ٤٨ ح ٢٨٨ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ١ / ٦٤ ح ١٥٣.
قال المتقي الهندي في كنز العمال : ١٠ / ١٣٦ ح ٢٨٦٨٦ : اختلاف أمَّتي رحمة ( نصر المقدسي في الحجة ، والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند ، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ، ولعلّه خرِّج في بعض كتب الحفّاظ التي لم تصل إلينا ).
وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : ٩٠ ـ ٩١ : في المقاصد اختلاف أمتي رحمة للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ : واختلاف أصحابي لكم رحمة ، وكذا للطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع ، وقال العراقي : مرسل ضعيف ، وقال شيخنا : هذا الحديث مشهور على الألسنة ، وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس ، وكثر السؤال عنه ، وزعم كثير من الأئمة أنَّه لا أصل له ، لكن ذكره الخطابي وقال : اعترض على الحديث رجلان ; أحدهما ماجن ، والآخر ملحد ، وهما : إسحاق الموصلي والجاحظ ، وقالا : لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ، ثمَّ ردَّ الخطابي عليهما ، ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث ، ولكنه أشعر بأن له أصلا عنده ، وفي حاشية البيضاوي ذكر هذا الحديث السبكي وغيره وليس بمعروف عند المحدِّثين.
٢ ـ أحكام القرآن ، الجصاص : ٢ / ٣٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٨ / ١٢٣ ، وقد تقدَّم هذا الحديث في مناظرة أميرالمؤمنين عليهالسلام مع أبي بكر.