قعدت ، في تقدير : سواء علي القيام ، والقعود. قال : فالقيام مبتدأ ، والقعود : عطف عليه ، وسواء : خبر مقدم. فعلى هذا ، يكون في الآية : الإنذار مبتدأ ، وترك الإنذار عطف عليه ، وسواء خبر مقدم عليه. وهذا منه رحمه الله ، وجهان ، جوزهما في المسألة ، وليس ينقض أحدهما صاحبه. وإياك والتقدم عليه ، ما أمكن ، فإنه بعيد الغور. ألا ترى أنه منع من أن يكون قوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(١) منصوبا بصيام مضمر دلّ عليه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(٢) ، لأن ذكر الصيام ، ذكر المصدر.
والمصدر موصول ، فلا يجوز حذفه ، وإبقاء صلته ، لأن بعض الاسم ، لا يحذف. واحتج في ذلك بما ذكر صاحب الكتاب (٣) من أن [قول الشاعر] :
٦٧ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمرو أبيك إلّا الفرقدان (٤) |
إنه لا يكون إلا أن يكون الفرقدان ، لأنه لا يحذف الموصول. ذكر هذا في الحجة (٥). ثم ذكر ، وهو يرد على أبي إسحاق (٦). أن (أياما) ، ينتصب بصيام مضمر دل عليه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) لأن جريه في أول الكلام ، دليل على ذلك. كما قال : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ)(٧) إن (إذ) محمول على مقت آخر دون ما تقدم ، لأنه لا يخلو قوله : (إِذْ تُدْعَوْنَ) إما أن يكون محمولا على قوله ((لَمَقْتُ اللهِ)) أو يكون على قوله ((مَقْتِكُمْ)) أو يكون على آخر فلا يكون محمولا على قوله : (لَمَقْتُ اللهِ) لأن : (مقت الله) مصدر أخبر عنه بقوله : (أَكْبَرُ) فلا يكون (إذ) منه في شيء ، لأن الصلة ، لا يفصل بينها ، وبين موصولها الخبر ، لأنه لا يخبر عن الاسم ، وقد بقيت منه بقية. ولا يكون محمولا على قوله : (مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، لأنهم مقتوا أنفسهم فيها ودعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يكون ظرفا له. فثبت أنه على آخر ، فأضمر لجري ذكره ، أولا. أي : مقته إياكم إذ تدعون. كما أن قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٨) متعلق ب (يكلم) ، مضمر ، دون قوله : (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ)(٩) ، لأن جريه ، خارج الصلة ، دل على تقديره بعد الصلة.
وهذا يطول ، وفيما ذكرنا كفاية ، فدل على أن التقدم عليه لا يجازف فيه ، بل يتأمل في كلامه ، وسيأتيك من هذا أكثر من هذا.
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١٨٣.
(٣) الكتاب ٢ : ٣٣٤ ، ٣٣٥.
(٤) البيت من الوافر ، لعمرو بن معديكرب الزبيدي ، في : ديوانه ١٨١ ، والكتاب ٢ : ٣٣٤ ، والتحصيل : ٣٦٣ ، والبيان والتبيين ١ : ٢٢٨ ، والحضرمي بن عامر ، في : حماسة البحتري ٢٣٤ ، والخزانة ٣ : ٤٢١ ، ٤ : ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٩ : ٣٢١ ، ٣٢٢.
وبلا نسبة في : معاني القرآن ـ للأخفش ١ : ١١٦ ، والمقتضب ٤ : ٤٠٩ ، والزاهر ٢ : ٤٠٥ ، وأمالي المرتضى ٢ : ٨٨ ، والإنصاف ١ : ٢٦٨ ، وابن يعيش ٢ : ٨٩ ، والأشموني ٢ : ٤٧١ ، وهمع الهوامع ٣ : ٢٧٣.
(٥) الحجة ، لأبي علي الفارسي ١ : ١٦.
(٦) مجمع البيان ٢ : ٢٧٢ ، إذ ذهب أبو إسحاق إلى أن (أياما) انتصب على الظرفية ، وكأن التقدير : كتب عليكم الصيام في أيام ، والعامل فيه : الصيام ، وتقديره : كتب عليكم أن تصوموا أياما.
(٧) ٤٠ : سورة غافر ١٠.
(٨) ٣٣ : سورة الأحزاب ٥٣.
(٩) ٤٢ : سورة الشورى ٥١.