[فإن قلت] : فما موضع الظرف المحذوف من قوله : (السّمن منوان بدرهم) لأنه زعم أن التقدير : السمن منوان منه بدرهم وقد عرفنا أن قولهم : بدرهم ، هذا الظرف [٣١ / أ] مرفوع الموضع. أعني : بدرهم ، لأنه خبر المنوين. فما موضع منه؟! [قلت] : إن (منه) معمول الظرف ، منصوب به ، وإن تقدم عليه ، كقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(١) ، وكلّ يوم له ثوب ، وقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ)(٢) ، وقوله : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ)(٣). فقوله : بدرهم ، متعلق بكائن في موضع الرفع ، خبر لمنوين. ومنه ، معمول كائن المتعلق به بدرهم. ويجوز أن يكون في موضع الحال على تقدير : السمن موزون بدرهم ، إذا كان في حال المنوين منه ، فيكون معمولا لما دل عليه منوان. أي : إذا وزن منوان منه. ولا يكون صفة لدرهم المجرور ، ولا حالا منه ، لاستحالته في المعنى.
[قال أبو الفتح] : واعلم أن الظرف ، قد يقع خبرا عن المبتدأ ، وهو على ضربين : ظرف زمان ، وظرف مكان. والمبتدأ على ضربين : جثة ، وحدث. فالجثة : ما كان عبارة عن شخص ، نحو : زيد وعمرو. والحدث : هو المصدر ، نحو : القيام ، والقعود. فإذا كان المبتدأ جثة ووقع الظرف خبرا عنه ، لم يكن ذلك الظرف إلا من ظروف المكان. تقول : زيد خلفك. فزيد مرفوع بالابتداء. والظرف بعده خبر عنه والتقدير : زيد مستقر خلفك. فحذف اسم الفاعل ، تخفيفا ، وللعلم به. وأقيم الظرف مقامه ، فانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف ، وارتفع ذلك الضمير بالظرف ، كما كان يرتفع باسم الفاعل. وموضع الظرف رفع بالابتداء. [قلت] : قسم خبر المبتدأ في الأولى إلى المفرد ، والجملة. ثم ذكر بعد ذلك حكم الظرف. والظرف ، إذا وقع خبرا عن المبتدأ. فإما أن يقدر تقدير : مستقر ، أو تقدير : استقر. وكلا التقديرين دخل في التقسيم فما باله أخرج الظرف منها؟! ولكن يقال : إن للظرف أحوالا مختلفة : فحالة يجري فيها مجرى المفرد ، وحالة يجري فيها مجرى الجملة ، وحالة لا يجرى فيها مجرى ذا ، ولا ذا. فالحالة الأولى : زيد خلفك ، والتقدير : زيد مستقر خلفك. فحذف (مستقر) ، وفيه ضمير يعود إلى زيد ، لأن (مستقرا) مشتق : بمنزلة : قائم [٣١ / ب] فلما كان كذلك ، وكان فيه ضمير يعود إليه ، وقد حذف : انتقل الضمير الذي فيه إلى الظرف ، وهو في الظرف مرفوع به ، غير محذوف مع اسم الفاعل. فقولنا : زيد خلفك ، انتصب : خلفك ، على الظرف ، ولا بد له من ناصب ، وليس بظاهر ، فلا بد من إضماره. وإذا كان مضمرا ، وكان مشتقا ، لأنه ناصب ، وجب أن يكون فيه ضمير ، ولا يجوز ادعاء حذف الضمير ، كحذف اسم الفاعل ، لأن هذا الضمير ، قد أبدل منه ، وأكّد ، وجاء عنه الحال ، وعطف عليه. فأما الإبدال منه فكقوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ)(٤) فالوزن : مبتدأ.
ويومئذ متعلق بمضمر ، والتقدير : والوزن كائن يومئذ. وكان في (كائن) ضمير. فلما حذف (كائن) انتقل الضمير منه إلى (يومئذ) ، وهو مرفوع به. وإنما قلنا هو مرفوع به ، لأنه قام مقام
__________________
(١) ٥٥ : سورة الرحمن ٢٩.
(٢) ٢٥ : سورة الفرقان ٢٦.
(٣) ١٨ : سورة الكهف ٤٤.
(٤) ٧ : سورة الأعراف ٨.