وعزة ممطول غريمها ، معنّى. فأعمل الأول دون الثاني ، فلا يكون (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا)(١) ، محمولا على الأقرب إليه. قال : ولو كان غريمها مرفوعا ب (معنّى) دون (ممطول) لكان في (ممطول) ضمير ، هو ل (غريمها) وقد جرى (ممطول) على (عزة) وهو ل (غريمها) فوجب أن يبرز الضمير. لأن اسم الفاعل ، أو المفعول ، إذا جرى على غير من هو له ، وجب إبراز الضمير الذي فيه ، كقولك : هند زيد ضاربته هي. لا بد من ذكر هي : لأنّ (ضاربته) خبر لزيد ، وهو فعل لهند.
فقد جرى على غير من هو له. فكذا ، هاهنا ، عزة : مبتدأ. وممطول : يرتفع ، لأنه خبره ، وهو لغريمها. فوجب أن لا يجوز إلا بإظهار الضمير. وإذا لم يظهر الضمير ، علم أنّ غريمها : مرتفع به ، وليس فيه ضمير. فإعمال الأول أولى ، لأنه أسبق ، ولا يؤدي هذا إلى هذا الذي ذكرناه عنه. فإنما [قلنا] في جواب ذلك : إنّ هذا الكلام لا يصح من الكسائي ، لأنه لا يقول بإبراز الضمير ، في [مثل هذا] وإن ألزمناه غير الكسائي ، [بقوله] : إنّ عزة : مبتدأ. وغريمها : مبتدأ ثان. وممطول معنّى : خبران مقدمان. والتقدير : وعزة غريمها ممطول معنّى. وإذا احتمل هذا ، لم يكن معارضا ، لما ذكرنا. ويجوز أن يحتج بالمصراع الأول ، في هذا البيت على إعمال الأقرب ، فيقال : إنه نصب غريمه ب (وفّى) ، ولو نصبه ب (قضى) لقال : فوفاه غريمه. ومثل هذا ، قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٢) فنصب (قطرا) ب (أفرغ) ولم ينصبه ب (أتوني) ولو نصبه ب (آتوني) لقاء : أفرغه.
وإن ادّعى أنّ الهاء مضمر في أفرغ ، فالحمل على الظاهر أوجه. وذلك ، لانه إذا نصب (قطرا) ب (آتوني) وحذف الهاء من (أفرغ) فقد صار إلى شيئين يخالفان الحقيقة : [٨١ / أ] أحدهما : الحذف. والآخر : الفصل بين العامل والمعمول. ونحن إذا حملنا (قطرا) على (أفرغ) نضمر ل (آتوني) على شريطة التفسير ، ولم نصر إلى شيئين ، كما صار هو إليه. فقولنا : إنه يحمل على الأقرب إليه ، أولى. فقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) :) محمول على قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، أي : فسّقوهم. لأنه جملة مركبة من مبتدأ وخبر. والواو فيه : واو الاستئناف ، وليس بواو الحال. فهو كالواو في قوله : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ)(٣). ألا ترى أن قوله : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) ليس بمعطوف على قوله : (يَخْتِمْ)(٤) ، لقوله : (وَيُحِقُّ الْحَقَّ). ولو كان محمولا على قوله : (يَخْتِمْ) لقال : (ويحقّ) بالكسر. فعلم بطلان ذا. وإن المستثنى في الآية ، بمنزلته في قولهم : القوم إخوتك إلا زيدا.
[فإن قلت] : فإنّ قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) :) جملة في موضع الحال من المتقدم.
والتقدير : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، فاسقين. وإذا كان هكذا لم يكن الاستثناء منه ، لأنه ليس بكلام مقصود ، وإنما حال من المتقدم ، يجري مجرى الفضلة في الكلام وإنما المقصود ، في الآية
__________________
(١) ٣ : سورة آل عمران ٨٩.
(٢) ١٨ : سورة الكهف ٩٦.
(٣) ٤٢ : سورة الشورى ٢٤.
(٤) ٤٢ : سورة الشورى ٢٤.