(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ)(١). ولم يذكر الآن آمنت لجري ذكر (آمنت) في قوله : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ)(٢). قال : فمن نصب : (أو يرسل) ، قدّر : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) أو يكلم من وراء حجاب ، أو يرسل. ومن رفع (٣) : (أو يرسل) ، قدر : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً). أو مكلّما من وراء حجاب. لأن قوله : (إِلَّا وَحْياً ،) في تقدير : إلا موحيا. فكأنه قال : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا موحيا ، أو مكلّما من وراء حجاب ، أو مرسلا رسولا. فقدر مع المرفوع اسم الفاعل ، في موضع الحال ، ومع المنصوب الفعل (٤). هذا كلامه الصحيح في التذكرة. وقد خلّط في الحجة. وإذا عرض لك كلامه في موضع قد خلّط فيه ، فلا تقفنّ عند ذلك الكلام ، بل تتبع كلامه ، فإنه لا يقتصر على دفعة في حل المشكلات ، بل يكررها في كتبه ، مرة ، بعد أخرى. وأنت إذا وقفت ، واقتصرت على كلامه ، في موضع ، لم تحل (٥) [٨٣ / أ] بطائل ، ولم يجد عليك ، ولم يعبق بك من فوائده شيء. وينبغي أن تعرف حقي عليك ، وتشكرني على ما أمنحه من فوائده ، وتدعو لي آناء ليلك ، ونهارك : فربما يمتّعك الله بذلك ، وإلا لم يكن فيما استفدت تمتع.
وأعجب من هذا كله ، أنه خلّط في الحجة ، في تعليق (من). ولم يذكر كلاما مفهوما. وذلك ، لأنه أراد أن يقول مثل ما حليته (٦) لك. فقال بعد ذلك الكلام : ويمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر ، وهو أن قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) في صلة (وحي) الذي هو بمعنى : أن يوحي. فإذا كان كذلك ، لم يجز أن تحمل الجار الذي هو (من) في قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) على : (أو يرسل) ، لأنك تفصل بين الصلة ، والموصول ، بما ليس منهما. ألا ترى أن المعطوف على الصلة في الصلة.
فإذا حملت العطف على ما ليس في الصلة ، فصلت بين الصلة ، والموصول بالأجنبي الذي ليس منهما.
__________________
(١) ١٠ : سورة يونس ٩١.
(٢) ١٠ : سورة يونس ٩٠.
(٣) وهم : نافع ، وابن عامر ، والزهري ، وشيبة ، وابن ذكوان ، وهشام ، وأبو جعفر. معاني القرآن ـ للفراء ٣ : ٢٦ ، وتفسير الطبري ٢٥ : ٢٨ ، والسبعة ٥٨٢ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٣ : ٧١ ، وحجة القراءات ٦٤٤ ، والتيسير ١٩٥ ، وتفسير التبيان ٩ : ١٧٢ ، والكشاف ٣ : ٤٧٦ ، ومجمع البيان ٩ : ٣٦ ، وتفسير الرازي ٢٧ : ١٩٠ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ٥٣ ، والبحر المحيط ٧ : ٥٢٧ ، والنشر ٢ : ٣٦٨ ، وإتحاف الفضلاء ٣٨٤ ، وغيث النفع ٣٠٤.
(٤) قال أبو علي : والتقدير الصحيح (في قراءة النصب) ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل (يرسل) على (أن يوحي) الذي يدل عليه (وحيا) ، فصار التقدير : ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحيا أو يرسل رسولا فيوحي.
وأما من رفع فقد جعل (يرسل) حالا ...). ينظر : مجمع البيان ٩ : ٣٦ ، ٣٧ ، والجواهر ٢ : ٦٤٦.
(٥) لم تحل بطائل : لم تظفر ، ولم تستفد كبير فائدة. ولا يتكلم بهذه الكلمة إلا في النفي. اللسان (حلا) ١٤ : ٩٢.
(٦) حليته لك : وصفته لك. اللسان (حلا) ١٤ : ١٩٦.