معناه : لو كان فيهما الله لفسدتا! وهذا مستحيل ، وضد المعنى المقصود من الآية. فثبت أن (إلا) مع قوله : (الله) : بمنزلة (غير الله) وغير : وصف : لما قبله ، ومثله. [قول الشاعر] :
٢٠٨ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمرو أبيك إلا الفرقدان (١) [٨٤ / أ] |
فقوله : إلا الفرقدان : رفع. لأنه صفة لقوله : وكل أخ. والتقدير : وكل أخ غير الفرقدين ، مفارقه أخوه. لو لا هذا التقدير ، لكان ينبغي أن يقول : إلا الفرقدين ، لأنه استثناء من موجب. فلما رفع ، ولم ينصب ، علم أنه جعل (إلا) مع ما بعده وصفا للمرفوع ، وهو : كل أخ.
ولا نحمل قوله : إلا الفرقدان ، على ما زعمه الفراء (٢) : من أن التقدير فيه : وكل أخ مفارقه أخوه ، إلا أن يكون الفرقدان. لأن ذلك يؤدي إلى حذف الموصول : وإبقاء الصلة. وهذا ممتنع.
ولهذا المعنى ، لم يجوز أبو علي ، في قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(٣) أن يكون منصوبا على تقدير : الصيام أياما. فأضمر الصيام لجري ذكره في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، فقال : هذا لا يجوز ، لأنه يؤدي إلى إضمار الموصول ، وإبقاء الصلة. وربما نقول له ، في قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٤) : لا تجوّز تعليقه بمضمر ، لأنه حذف الموصول ، وإبقاء صلته ، ومنعت من ذلك ، فلا ندري ما تقول في جواب هذا؟!.
[فإن قال] فأنتم ، إذا قلتم : جاءني القوم إلا زيدا ، تنصبون (زيدا) بالفعل ، وبتوسط (إلا) ، و (إلا) هي المعدّية للفعل إلى ما بعدها. وإذا قلتم : جاءني القوم غير زيد ، تنصبون (غيرا) بالفعل من غير توسط (إلا). فمن أية جهة وقع هذا الفرق؟!.
[الجواب] : أنّ قولنا : أتانا القوم غير زيد. (غير) فيه مبهم غير مخصوص. فأشبه الظروف المبهمة لإبهامه. فتعدى إليه الفعل ، كما يتعدى إلى هذه الظروف. كقولك : زيد خلفك ، وعمرو قدامك ، فتنصبهما ب (مستقر) مضمر من غير واسطة جارّ. وإذا قلت : أتانا القوم إلا زيدا ، ف (زيد) مخصوص ، ولا يتعدى إليه الفعل إلا بتوسط حرف. نظيره : قعدت في المسجد. ويدل على أن (غيرا) مبهم : أنك ، إذا قلت : أتانا القوم غير زيد ، ف (غير زيد) هم الآتون ، وهم القوم.
فأشبه الحال ، لمّا [٨٤ / ب] كان الأول في المعنى. فتعدّى إليه الفعل ، كما يتعدى إلى الحال.
ف (غير) منصوب بالفعل قبله ، من غير واسطة حرف. وما بعده مضاف إليه. فإذا كان الكلام موجبا ، قلت : أتانا القوم غير زيد ، فتنصب. وإذا لم يكن موجبا ، وكان تاما ، قلت : ما أتانا القوم غير زيد ، وغير زيد : بالرفع ، والنصب ، كما تقدم في (إلا).
[قال أبو الفتح] : وأمّا (سوى) فمنصوبة على الظرف أبدا. وما بعدها مجرور بإضافتها إليه.
تقول : قام القوم سوى أبيك. و : ما رأيت أحدا سوى أبيك. وإنما كان نصبا على الظرف ، لما
__________________
(١) سبق ذكره رقم (٦٧).
(٢) والكسائي أيضا. ينظر : الخزانة ٣ : ٤٢٣.
(٣) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.
(٤) ٤٢ : سورة الشورى ٥١.