حكاه سيبويه عن الخليل (١) ، من أن قولك : أتانا القوم سوى أبيك ، معناه : مكان أبيك. ومكان أبيك ظرف ، فكذا سوى ، إذا قام مقامه. قال : إلا أن في (سوى) معنى الاستثناء ، وليس في : مكان ذاك : وقد يجيء (إلا) بمعنى (سوى). قال الله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)(٢) ، أي : سوى ما شاء ربك ، من أن يكونوا هناك. ومثله قولهم : لفلان عليّ ألف درهم إلا ألفين. يلزمه ثلاثة آلاف ، لأن معناه : سوى ألفين.
[قال أبو الفتح] : وأما (ليس) و (لا يكون) و (عدا) و (خلا) فما بعدهن منصوب أبدا. تقول : قام القوم ليس زيدا. وانطلقوا لا يكون بكرا. وذهبوا عدا خالدا (٣).
[قلت] : الاسم في هذه الأشياء منصوب على الحقيقة في : ليس ، ولا يكون ، لأنه خبر. واسم (ليس) مضمر ، وكذا اسم (لا يكون). والتقدير : ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا.
وكذا : عدا زيدا ، أي : عدا بعضهم زيدا ، أي : جاوز ، ف (زيدا) مفعول به ، في (عدا) و (خلا).
وعند الكوفيين ، التقدير : ليس فعالهم فعل زيد. فأضمروا الاسم ، والمضاف. وما ذكرناه أقل مؤونة ، وإضمارا. فهو أولى به. فمما جاء مستثنى ب (ليس) قوله ، صلّى الله عليه وسلّم : (ما أحد من أصحابي إلا أخذت عليه ، ليس أبا الدرداء) (٤) ، انتصب (أبا الدرداء) ب (ليس) كنصب [٨٥ / أ] زيد هاهنا.
[قال أبو الفتح] : وأما : حاشى ، وخلا ، فيكونان : فعلين ، فينصبان ، وحرفين ، فيجران. تقول : قام القوم خلا زيد ، وخلا زيدا. وحاشى عمرو ، وحاشى عمرا.
[قلت] : الذي حكاه سيبويه (٥) ، في حاشى ، أنه : حرف ، ويجر ما بعده. ونصب ما بعده ، حكاية الشيباني (٦) ، عن العرب. ووجهه : أنه جعل (حاشى) فعلا ، وفاعله مضمر. و (زيدا) مفعول به ، وتقديره : حاشى بعضهم زيدا. وقد جاء في شعر النابغة :
٢٠٩ ـ ولا أرى فاعلا ، في الناس يشبهه |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد (٧) |
__________________
(١) الكتاب ٢ : ٣٥٠.
(٢) ١١ : سورة هود ١٠٨.
(٣) الكتاب ٢ : ٣٤٧ ، ٣٤٨.
(٤) نزهة الألباب ٥٤ ، والبلغة ١٧٤ ، ومقدمة محقق الكتاب (هارون) ١ : ٧ ، وفي الإصابة في تمييز الصحابة ٢ : ٢٥٣ : (أبو عبيدة بدل أبي الدرداء). وأبو الدرداء : هو : عويمر بن زيد بن قيس ، ويقال عويمر بن عامر ، ويقال : ابن عبد الله ، الأنصاري ، الخزرجي ، (ت ٣٢ ه) وقيل ٣١ ه). سيد القراء بدمشق ، روى عن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عدة أحاديث وهو معدود في من تلا على النبي ولم يقرأ على حد غيره. ينظر : الطبقات الكبرى ٧ : ٣٩١ ـ ٣٩٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٥٣.
(٥) الكتاب ٢ : ٣٤٩.
(٦) هو : أبو عمرو إسحاق بن مرار ، الشيباني ، (ت ٢٠٦ ه ، وقيل ٢١٠ ه). كان عالما باللغة ، حافظا لها ، جامعا لأشعار العرب. طبقات النحويين واللغويين ١٩٤ ، ونزهة الألباء ٧٧ ـ ٨٠.
(٧) البيت من البسيط ، في : ديوانه ١٣ ، والإنصاف ١ : ٢٧٨ ، وابن يعيش ٢ : ٨٥ ، وهمع الهوامع ٣ : ٢٨٨ ، والخزانة ٣ : ٤٠٣ ، ٤٠٤ ، ٤٠٥.
وبلا نسبة في : اللسان (حشا) ١٤ : ١٨١ (صدره) ، والمغني ١ : ١٢١.