والكسر تشبيها ب (جير). وقد قالوا (حوث) (١). [٦ / ب]
[قال أبو الفتح] : وفي الحرف ، في (منذ) في لغة من جرّ بها.
[قلت] إنما قال : في لغة من جر بها ، لأن (منذ) قد يكون حرفا ، وقد يكون اسما. فإذا كان حرفا ، فما بعده مجرور. كقولك : ما رأيته منذ يوم الجمعة. وإذا كان اسما ، فما بعده مرفوع. نحو قولك : ما رأيته منذ يومان. وله باب يذكر فيه. ف (منذ) حرف. إذا كانت جارة ، فلا سؤال عن بنائه ، ولكن السؤال عن بنائه على الحركة إذا كان اسما لالتقاء الساكنين. واختير الضم ، لأن الميم مضمومة ، وهي كأنها مجاورة للميم ، أعني (الذال). ولا اعتداد بالنون الساكنة ، لأنها غير حاجز حصين (٢). ألا ترى أنهم قالوا في : (منتن) (٣) : منتن ، ومنتن ، فمرة ، اتبع : الأول الآخر ، والأخرى :
الآخر الأول. وكل ذلك جائز ، لأن النون ليس بحاجز حصين. وأما إذا كان (منذ) اسما ، فإنما بني تشبيها ب (قبل ، وبعد) لأن الإضافة فيه ممتنعة وهو يتضمن أمد ذلك ، وغاية ذلك ، لأن معنى (منذ) إذا كان اسما : أمد. فكأنه قال : منذ ذلك يومان ، فحذف ذلك ، الذي هو المضاف إليه ، وبني كما بني (قبل ، وبعد) وبني على الحركة لالتقاء الساكنين ، واختير الضم لما ذكرناه.
[قال أبو الفتح] : ولا ضم في الفعل.
[قلت] : وهو كما قال ، لأن أمثلة الأفعال ثلاثة : ماض : وهو مبني على الفتح ، ومضارع : وهو معرب ، وأمر : وهو مبني على الوقف (٤). وليس هناك فعل آخر يبنى على الضم.
[قال أبو الفتح] : والفتح يكون في الاسم ، والفعل ، والحرف.
[قلت] : فالاسم : كيف ، وأين. والدليل على أن (أين) اسم ، دخول حرف الجر عليه ، نحو : من أين؟.
[فإن قلت] : لم بني (أين) على الحركة ، ولم يبن على السكون؟ ولم اختير الفتح؟
[فالجواب] : أن (أين) لما كان اسما متضمنا لمعنى همزة الاستفهام ، وجب له البناء : لأنا قد ذكرنا أن الاسم ، إذا تضمن معنى الحرف ، بني ولم يعرب. و (أين) هكذا. ألا ترى أنك ، إذا قلت أين زيد ، فكأنك قلت : أفي السوق ، أم في المسجد ، أم في الدار ، أم في غيرها من الأمكنة ، فانتظم السؤال ب (أين) السؤال عن هذه الأمكنة.
فلهذا وجب له البناء [٧ / أ] وبني على الحركة دون السكون لالتقاء الساكنين ، واختير الفتح لخفته. [فإن قلت] : فقد عرفنا أن البناء ، وجب له لما ذكرت ، فلم لم تحرك الياء ، دون النون؟ ولم لم يقل (أين) كما قيل (أين) وفي تحريك الياء أيضا زوال التقاء الساكنين ، كما هو في النون؟
__________________
(١) التاج (حيث) ٥ : ٢٢٨ ، ٢٢٩.
(٢) لو قال : لأنها حاجز غير حصين ، لكان أجود في التعبير.
(٣) على وزن (مفعل) ، لأنه من الفعل الرباعي (أنتن) ، ولكن حصل فيه ما حصل للاتباع ، كما أفاده الشارح ، الكتاب ٤ : ١٧٣.
(٤) الوقف : السكون. ومذهب الكوفيين أن فعل الأمر معرب مجزوم ، ومذهب البصريين أنه مبني على السكون.
ينظر : الإنصاف (مسألة ٧٢) ٢ : ٥٢٤.