[فالجواب] : أن تحريك الياء ، يوجب قلبها ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها. وإذا انقلبت ألفا التقى ساكنان : الألف ، والنون ، فيجب تحريك النون ، فلما كان تحريك الياء يؤدي إلى هذا تجنبوه ، وحركوا النون ، حتى لا تلزمهم هذه الكلفة ..
[فإن قلت] : فلم فتحوا. (أين) وكسروا (جير) وكلاهما محرك لالتقاء الساكنين ، واقع بعد الياء؟!
[الجواب] : أن الفتح في (أين) أولى من الكسر ، لخفة الفتحة ، إذ هي أكثر استعمالا من (جير) وهم مما يغيرون الشيء عن أصله ، لكثرة الاستعمال.
ولا يحتاج هذا إلى إقامة دليل. وحسبك به قول الله تعالى : (بِسْمِ (١) اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). والقول في (كيف) ، كالقول في (أين) ألا ترى أن (كيف) يتضمن معنى همزة الاستفهام ، إذا قلت : كيف زيد؟ كأنك قلت : أصحيح أم سقيم؟ أصالح أم طالح؟ فلما كان متضمنا لذلك ، وجب له البناء ، وبني على الحركة لالتقاء الساكنين ، واختير الفتح لخفته.
[قال أبو الفتح] : والفعل نحو : قام وقعد. [قلت : فإن قلت] : لم بني الماضي؟ ولم حرك؟ ولم فتح دون أن يضم ، أو يكسر؟ قلت : إن الماضي مبني ، لأنه فعل والأصل في الأفعال البناء ، كما أن الأصل في الأسماء الإعراب والماضي فعل ، لم يحصل بينه وبين الأسماء ، ما حصل بين المضارع ، والأسماء فبقي على أصله من البناء. وكان حقه السكون ، والحركة أقوى من السكون إلا أنه حرك ، لأنه قوي بعض القوة ، من جهتين : إحداهما : أنه يقع موقع المضارع ، في نحو قولك : إن أكرمتني أكرمتك. ألا ترى أن الموضع موضع شرط. والشرط يصح في الاستقبال دون المضي. فقولك : إن أكرمتني أكرمتك ، في تقدير : إن تكرمني أكرمك ، فلما وقع موقعه ، وجب بناؤه على الحركة. كما قالوا : يا زيد ، فبنوه على الحركة دون السكون ، لأن [٧ / ب] البناء على السكون ، إنما يكون فيما لا أصل له في الإعراب ، ولا في وقوعه موقع المعرب. والجهة الثانية ، في وقوع الماضي موقع المعرب ، أنك تقول : مررت برجل ضربنا ، كما تقول ، يضربنا ، فلما وقع موقعه كان التحريك أولى به من الإسكان. واختير الفتح لخفته عندنا (٢). وزعم الفراء (٣) أن الفتح ، إنما جاء فيه ، لأنه يصير إلى حالة لا بد فيها من الفتح ، لوقوع الألف بعدها. فلما كان الفتح هاهنا ، لا بد منه ، بني على هذه الحركة. وقد حمل الفراء في هذا ، الإسناد إلى المفرد على الإسناد إلى المثنى والأصل لا يحمل على الفرع إلا بدليل قاطع.
[قال أبو الفتح] : وفي الحروف ، نحو : إنّ ، وثمّ.
__________________
(١) حذفوا همزة الوصل لكثرة الاستعمال. ينظر : إعراب ثلاثين سورة ٩ ، ١٠ ، والحلل في إصلاح الخلل ٣٣٨ ، في حذف ألف الوصل من (ابن) في الخط.
(٢) يعني : عند البصريين.
(٣) هو أبو زكريا يحيى بن زياد (ت ٢٠٧ ه). أخذ النحو ، واللغة عن : الكسائي ، ويونس بن حبيب ، وأشهر آثاره : (معاني القرآن). ينظر : مراتب النحويين ٨٦ ـ ٨٨ ، وطبقات النحويين واللغويين ١٣١ ـ ١٣٣ ، ونزهة الألباء ٨١ ـ ٨٤.