بقين من شهر رمضان ، وهي التي مات فيها يوشع وصيّ موسى ، ورفع بها عيسى إلى السماء ، وقيل نزل بها القرآن ، وهي إحدى ليالي القدر ، سنة أربعين من الهجرة ، عن ثلاث وستين ، منها ثلاثة وثلاثون مع النبي (ص) ، وثلاثون بعده.
ودفن بالغريّ (١) من نجف الكوفة بمشهده الآن ، كما صرّحت به أهل السير والتواريخ ، وزاره فيه جميع ولده ، وولد ولده من الأئمة الاثني عشر ، واحدا بعد واحد.
وقد ظهر قبره على يد شرّ أعدائه (٢) ، وتعالى شأنه ، وظهر مكانه
__________________
(١) الغري أو الغريين : من أسماء مدينة النجف ، وفيها قبر الامام علي بن أبي طالب (ع). وأورد ابن عساكر بعض المرويات الدالة على أنّ الامام الحسن بن علي (ع) نقل قبر أبيه إلى المدينة (تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤٢ ، ص ٥٦٦). ولا صحة لهذه المعلومة المتسرّبة لكتاب ابن عساكر ، والمنسوبة إليه.
(٢) وردت أحاديث تشير إلى أنّ ظهور قبر الامام علي (ع) كان قد تم على يد هارون الرشيد ، الخليفة العباسي ، مما يعني أنّ القبر لم يكن معروفا إلّا لدى الائمة من أولاده ، وبعض خاصته.
نقل ابن طاووس حديثا مفاده : أنّ هارون الرشيد خرج من الكوفة للصيد ، فلما بلغ ناحية الغريين والثوية رأى مع حاشيته ظبأ ، فأرسلت الصقور والكلاب لاقتناصها إلّا أنّ الظبأ إلتجأ بمكان رجعت الكلاب عنه ، وسقطت الصقور ناحية مما أثار دهشة هارون الرشيد.
عندها سأل الرشيد عن المكان الذي إلتجأ إليه الضبأ من شيخ من بني أسد (كان في تلك الناحية) ، فأخبره بأنّ في المكان قبر علي بن أبي طالب ، جعله الله حرما لا يأوي إليه أحد إلّا أمن. عندها نزل الرشيد ، وتوضّأ ، وصلّى ، وتمرّغ ـ كما تقول الرواية ـ بتراب المكان ، وجعل يبكي ، ثم انصرف الجميع (فرحة الغري ، ص : ١٤٢). وقد نقلت أحاديث أخرى عن الرشيد في زيارته للقبر الشريف.
ونقل أنّ الرشيد بنى عليه بنيانا بآجر أبيض ، كما أمر أن تبنى عليه قبّة فبنيت من طين أحمر ، وطرح على رأسها جرّة خضراء. وهي في الخزانة اليوم.
أقول : إنّ قبر الامام علي (ع) لم يختف حتى يظهره الرشيد ، ومثل هذه الأحاديث هي من المرويات المدسوسة التي تحاول أن تشوّه مفردات التأريخ الاسلامي ، وتشكك بثوابته. وقد فصّلت الحديث عنها في المجلد الأول من «تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية» ، فليراجع هناك.