عبد الله محمّد بن جابان ، حدّثني أبو عمرو بن علوان الرحبي ، قال :
كنت قبل أن أصحب جنيد بن محمّد وأعاشر الفقراء لي جارية ، وكنت مشغوفا بها ، وأميل إليها جدا ، فلما انتزعت من جميع ما كان لي من الدنيا بعت الجارية أيضا ، وأنفقت ثمنها على الفقراء ، وكان لي بيت أخلو فيه للعبادة ، فبينا أنا ذات يوم أصلّي خامر قلبي هوى سامره بذكر الجارية التي كانت لي ، حتى تولدت مني شهوة الرجل ، فنظرت إلى ثيابي التي عليّ ، وقد اسودّ جميع ما كان عليّ ، فأخرجت يدي فإذا قد اسودّت ، ونظرت إلى رجلي وسائر بدني فإذا هو أسود (١) ، فاستترت في البيت ، ولم أخرج ، فدخلت عليّ أمي ، ونظرت إلى وجهي وثيابي ويدي ورجلي ، قد اسودّ ذلك كله عليّ فقالت : يا أبا عمرو ، أيش أصابك؟ فسكتّ ، فعالجوا الثياب بالصابون وألوان الغاسول (٢) فلم تزد إلّا سوادا ، ودخلت الحمام ودلّكوني بالأشنان وغير ذلك ، فلم أزدد إلّا سوادا ، ثم انكشف عني السواد بعد ساعات من النهار بقدرة الله ، ورجعت إلى لون البياض ، وعادت ثيابي كما كانت بياضا ، فحمدت الله تعالى على جميل ستره ، واستغفرت الله مما خامر سرّي ، فلمّا كان بعد أيام دخل عليّ والدي وبيده كتاب ، ذكر أنه ورد عليه من الجنيد بن محمّد يستدعي قدومي عليه ، فقال : يا بني قم واخرج إلى حضرة أستاذك ، فقد أكّد في كتابه خروجك إليه ، قال : فانحدرت إلى بغداد ، فساعة وافيتها قصدت الشيخ ، فدخلت عليه وهو يصلي ، فسلّمت عليه ، ووقفت حتى سلّم من صلاته ، فنظر إليّ شزرا ، وقال بغضب : ما استحييت من الله جلّ ثناؤه كنت قائما بين يديه ، فسامرت نفسك شهوة استولت عليك برهة ، فأخرجتك من بين يديه تعالى باللعن والطرد ، لو لا أنّي دعوت الله تعالى لك ، وتبت عنك بظهر الغيب للقيت الله وأنت بذلك الوصف ، لا تفيق إلّا بمودة من إذا أذنبت تاب ، وإذا مرضت عادك.
قال ابن جهضم : ذكرت هذه الحكاية لبعض العلماء فقال :
هذا رفق من الله تعالى به ، وخيره له إذ لم يسوّد قلبه وظهر السواد على يديه ، وما ذنب يرتكبه العبد يصرّ عليه إلّا اسودّ القلب منه قبل سواد الجسم ، لا يجلوه إلّا التوبة
__________________
(١) في المختصر : فإذا هو قد اسودّ.
(٢) كذا بالأصل والمختصر ، والذي في تاج العروس بتحقيقنا : الغاسول : جبل بالشام؟ ولم أعثر على معنى آخر لها. فيما لدي من معاجم.