جلوس المنتصر
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : المنتصر بالله اسمه محمّد ، كنيته أبو جعفر ، أمّه أمّ ولد روميّة اسمها جشية ، بويع له بعد قتل أبيه في شوّال سنة ٢٤٧ وكانت خلافته ستّة أشهر ويومين ، وكان عمره أربعا وعشرين سنة ، وتوفّي بسامرّاء في يوم أحد لخمس خلون من ربيع الآخر وكانت علّته أنّه وجد حرارة فدعا بعض أطبّائه ففصده بمبضع مسموم فمات منه وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة فدعا تلميذه ليفصده فوضع مباضعه بين يديه ليختار أجودهما فاختار ذلك المبضع المسموم وقد نسيه الطبيب ففصده به فلمّا فرغ نظر إليه فعرّفه فأيقن بالهلاك ووصّى من ساعته ، فمات.
وقيل : دسّوا إلى ابن الطيفوريّ ثلاثين ألف دينار في مرضه فأشار بفصده ثمّ فصده بريشة مسمومة فمات.
قال السيوطي وابن الأثير وغيرهما : إنّ المنتصر مليح الوجه ، أسمر أعين ، أقنى الأنف ، ربع القامة ، جسيما بطينا مليحا مهيبا ، وافر العقل ، راغبا في الخير ، قليل الظلم ، محسنا إلى العلويّين ، وأزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، وردّ على آل الحسين فدكا. فقال يزيد المهلّبي في ذلك :
ولقد بررت الطالبيّة بعد ما |
|
ذمّوا زمانا بعدها وزمانا |
ورددت ألفة هاشم فرأيتهم |
|
بعد العداوة بينهم إخوانا |
وأظهر العدل والإنصاف في الرعيّة ، فمالت إليه القلوب مع شدّة هيبة لهم ، وكان كريما حليما ، ومن كلامه : لذّة العفو أعذب من لذّة التشفّي ، وأقبح أفعال المقتدر الانتقام.
وقال المسعودي : وكان المنتصر واسع الاحتمال ، راسخ العقل ، كثير المعروف ، راغبا في الخير ، سخيّا أديبا عفيفا ، وكان يأخذ بمكارم الأخلاق وكثرة الإنصاف