أقول : لم تنقضي الأيّام والليالي إلّا أنّ الخلافة بعد المتوكّل عادت ألعوبة بين الأتراك فمات المنتصر بعد ستّة أشهر ، وقتل المعتزّ ، ولم يعلم خبر عن المؤيّد ، إنّ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
شغف المتوكّل بالجواري
ذكر ابن عبد ربّه في الجزء الثالث من العقد الفريد : إنّ عليّ بن الجهم قال : دخلت يوما على المتوكّل فقال : يا علي ، قلت : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : دخلت الساعة إلى قبيحة ؛ وهي أمّ المعتزّ من أحسن النساء جمالا ، وقد كتبت على خدّها بالمسك اسمي ، والله ما رأيت سوادا في بياض أحسن منه في ذلك الخدّ ، فقل فيه شعرا. فقلت : يا أمير المؤمنين ، أمظلومة معي؟ قال : نعم خلف الستارة ، فدعوت بدواة فبادرتني بالقول فقالت قبل أن أتكلّم :
وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفر |
|
بنفسي بخطّ المسك من حيث أثّرا |
ئن أودعت سطرا من المسك خدّها |
|
لقد أودعت قلبي من الحبّ أسطرا |
فيا من لمملوك تملّك مالكا |
|
مطيعا له فيما أسرّوا أظهرا |
ويا من مناها في السرائر جعفر |
|
سقى الله من صوب الغمامة جعفرا |
قال علي بن الجهم : فأفحمت ولم أنطق وتغلّبت على خواطري فما قدرت على حرف أقوله ، فضحك المتوكّل.
قال في تاريخ الخلفاء : أهديت إلى المتوكّل جارية يقال لها فضل ، فقال لها : شاعرة أنت؟ قالت : هكذا زعم من باعني واشتراني. فقال لها : أنشدينا من شعرك ، فأنشدته :
استقبل الملك إمام الهدى |
|
عام ثلاث وثلاثينا |