بسرّ من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد مادّا عليه من جانبيه دور كأنّ اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلّا الأبواب والسقوف ، فأمّا حيطانها فكالجدّد ، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتّى انتهينا إلى العمارة منها وهي مقادر قرية يسيرة في وسطها ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلّا نحو الظهر ، ولا شكّ أنّ طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ.
كلام ابن المعتز في انحلال سامرّاء
قال في المعجم عند ذكره سامرّاء : كتب عبد الله بن المعتزّ إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى ويذكر خرابها : كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكّانها وأقعد جدرانها ، فشاهد اليأس فيها ينطق ، وحبل الرجاء فيها يقصر ، فكأنّ عمرانها يطوى ، وكأنّ خرابها ينشر ، وكلفت إلى الهجر نواحيها ، واستحثّ باقيها إلى فانيها ، وقد تمزّقت بأهلها الديار ، فما يجب فيها حقّ الجوار ، فالظا عن منها ممحوّ الأثر ، والمقيم بها على طرف السفر ، نهاره أرجاف (١) ، وسروره أحلام (٢) ، ليس له زاد فيرحل ، ولا مرعى فيرتع ، فحالها تصف للعيون الشكوى ، وتشير إلى ذمّ الدنيا بعد ما كانت بالمرأى القريب جنّة الأرض ، وقرار الملك ، تفيض بالجنود أقطارها ؛ عليهم أردية السيوف (٣) وغلائل الحديد ، كأنّ رماحهم قرون الوعول ، ودروعهم زبد السيول ، على خيل تأكل الأرض بحوافرها ، وتمدّ بالنقع سائرها ، قد نشرت في وجوهها غررا كأنّها صحائف البرق ، وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين ،
__________________
(١) الاضطراب والتزلزل.
(٢) لا يرى السرور إلّا في النوم.
(٣) بطائن تلبس تحت الدرع ويطلق على الدروع أيضا.