وأهل المهن من سائر الأمصار ، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الغروس والأشجار ، فجعل للأتراك أقطاعا متحيّزة وجاورهم بالفراغنة والأشر وسنيّة وغيرهم من مدن خراسان على قدر قربهم منهم في بلادهم ، وأقطع أشناس التركي وأصحابه من الأتراك الموضع المعروف بكرخ سامرّاء ، ومن الفراغنة من أنزلهم الموضع بالعمري والحير ، واختطّت الخططت واقتطعت القطايع والشوارع والدروب ، وأفرد أهل كلّ صنعة بسوق وكذلك التجّار ، فبنى الناس وارتفع البنيان وشيّدت الدور والقصور وكثرت العمارة واستنبطت المياه وجرت من دجلة وغيرها ، وتسامع الناس أنّ دار الملك قد اتخذت فقصدوها وجهّزوا إليها من أنواع الأمتعة وسائر ما ينتفع به الناس من الحيوان وغيرها ، وكثر العيش واتسع الرزق ، وشملهم الإحسان ، وعمّهم العدل ، وكان بدء ما وصفناه سنة ٢٢١.
عمارة سامرّاء في عصر الواثق بالله ابن المعتصم
قال اليعقوبي : لمّا توفّي المعتصم في سنة سبع وعشرين ومأتين ولي الخلافة ابنه هارون الواثق فبنى القصر المعروف بالهاروني على دجلة وجعل فيه مجالس في دكّة شرقيّة ودكّة غربيّة وانتقل إليه وزادت الإقطاعات وقرّب قوما وباعد ديار قوم على الأخطاء لا على الأبعاد ، فأقطع وصيفا دار أفشين التي بالمطيرة ، وانتقل وصيف عن داره القديمة إلى دار أفشين ولم يزل يسكنها ، وكان أصحابه ورجاله حوله ، وزاد في الأسواق وعظمت الفرض التي تردها السفن من بغداد وواسط والبصرة والموصل ، وجدّد الناس البناء وأحكموه وأتقنوه لما علموا أنّها قد صارت مدينة عامرة ، وكانوا قبل ذلك يسمّونها العسكر ، ثمّ توفّي الواثق في سنة ٢٣٢.