سنة إحدى وعشرين ومأتين ، وأقام بالبردان أيّاما ، وأحضر المهندسين ثمّ لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له باحمشا (١) من الجانب الشرقي من دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ البناء وأقطع القوّاد والكتّاب والناس فبنوا حتّى ارتفع البناء واختطّت الأسواق على القاطول وعلى دجلة ، وسكن هو في بعض ما بني له ، وسكن بعض الناس أيضا ، ثمّ قال : أرض القاطول غير طائلة وإنّما هي حصا وأفهار والبناء بها صعب جدّا وليس لأرضها سعة ، ثمّ ركب متصيّدا فمرّ في مسيره حتّى صار إلى موضع سرّ من رأى صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلّا دير النصارى.
سبب اختيار المعتصم سرّ من رأى دون غيرها
قال المسعودي في مروج الذهب : إنّ المعتصم لمّا تأذّى بالقاطول ونالته شدّة عظيمة لبرد الموضع وصلابة أرضه وتعذّر البناء فيه حىّ في ذلك يقول بعض من كان في الجيش :
قالوا لنا أنّ بالقاطول مشتانا |
|
فنحن نأمل صنع الله مولانا |
الناس يأتمرون الرأي بينهم |
|
والله في كلّ يوم محدث شانا |
فخرج المعتصم يتقرّى المواضع حتّى انتهى إلى موضع سامرّاء وكان هناك دير عادى النصارى فسأل بعض أهل الدير عن اسم الموضع فقال : يعرف بسامرّاء ، قال له المعتصم : وما معنى سامرّاء؟ قال : نجدها في الكتب السالفة والأمم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح. قال له المعتصم : ومن أيّ بلاد هي؟ وإلى م تضاف؟ قال : من بلاد طبرهات وإليها تضاف. فنظر المعتصم إلى فضاء واسع تسافر فيه الأبصار
__________________
(١) باحمشا ـ بسكون الميم والشين المعجمة ـ قرية بين أوانا والخطيرة على دجلة القديمة. (المراصد)