وهواء طيّب وأرض صحيحة فاستطاب هواءها وأقام هناك ثلاثا يتصيّد في كلّ يوم يجد نفسه تتوّق إلى الغذاء وتطلب الزيادة على العادة الجارية فعلم أنّ ذلك لتأثير الهواء والتربة ، فلمّا استطاب الموضع دعا بأهل الدير فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار وارتاد لبناء قصره موضعا فيها فأسّس بنيانه وهو الموضع المعروف ب «الوزيريّة» بسرّ من رأى ، وإليها يضاف التين الوزيري وهو أعذب أتيان وأرقّها قشرا وأصغرها حبّا ، لا يبلغه تين الشام ولا تين أهان وحلوان (١).
اشتياق المعتصم تمصير سامرّاء
فمرّ في مسيره حتّى صار إلى موضع سرّ من رأى وكان بها دير النصارى ، فوقف بالدير وكلّم من فيه من الرهبان وقال : ما اسم هذا الموضع؟ قيل له : يسمّى سرّ من رأى وإنّه كان مدينة سام بن نوح ، وإنّه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفّر منصور له أصحاب كأنّ وجوههم وجوه طيور الفلاة ، ينزلها وينزل ولده بها. فقال : أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي ، أفلا أخبركم بما سمعت من أبي هارون الرشيد؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين.
قال : إنّ أبي هارون الرشيد أمر يوما أن يخرج ولده إلى الصيد ، فخرجت مع
__________________
(١) حلوان ـ بالضمّ ثمّ السكون ـ هي أحد حدود العراق وهي التي تسمّى اليوم «پل زهاب» سمّيت باسم حلوان بن عمران بن قضاعة ، كان أقطعه إيّاها بعض الملوك فسمّيت به ، وكانت مدينة عامرة لم يكن بالعراق بعد البصرة والكوفة وواسط وبغداد أكبر منها ، وأكثر ثمارها التين ، وهي بقرب الجبل وليس للعراق بقرب الجبل غيرها ، وكان بها رمّان ليس في الدنيا مثله ، وتينها يسمّى «ماء أنجير» لجودته ، وحواليها عيون كبريتيّة ينتفع بها من عدّة الأدواء.
وأمّا أهان الذي ذكره فلم يعلم المراد منه ولم تذكر في المعاجم التي بأيدينا بلدة أو قرية بهذا الاسم ، ولعلّه تصحيف ألهان ـ باللام بعد اللألف على وزن عطشان ـ وهو مخلاف باليمن بينه وبين العرف عشرة فراسخ ، والله العالم.