فضل سامرّاء على بغداد
قال الحموي في المعجم في حرف السين عند ذكره سامرّاء : كتب عبد الله بن المعتزّ إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى ويذمّ بغداد وأهلها ويفضّل سامرّاء : كتبت إليك من بلدة ـ إلى أن قال : ـ تطير بها أجنحة السرور ، ويهب فيها نسيم الحبور (١) ، فالأطراف على المسرّة ، والنظر إلى ميرة ، قبل أن نحب (٢) مطايا الميرة (٣) وتسفر وجوه الخدر ، ومازال الدهر مليّا بالنوائب ، طارقا بالعجائب ، يؤمن يومه ، ويغدر غده ، على أنّها وإن جفت معشوقة السكنى ، وحبيبة المثوى ، كوكبها يقضان ، وجوّها عريان ، وحصاها جوهر ، ونسيمها معطّر ، وترابها مسك أذفر ، ويومها غداة ، وليلها سحر ، وطعامها هنيء ، وشرابها مريء ، وتاجرها مالك ، وفقيرها فاتك. لا كبغداد كم الوسخة السماء ، الرمدة الهواء ، جوّها نار ، وأرضها خبار (٤) ، وماؤها حميم ، وترابها سرجين ، وحيطانها نزوز ، وتشرينها تموز ، فكم في شمسها من محترق ، وفي ظلّها من عرق ، ضيّقة الديار ، قاسية الجوار ، ساطعة الدخان ، قليلة الضيفان ، أهلها ذئاب ، وكلامهم سباب ، وسائلهم محروم ، ومالهم مكتوم ، لا يجوز إنفاقه ، ولا يحلّ حناقه ، حشوشهم مسائل ، وطرقهم مزابل ، وحيطانهم أخصاص ، بيوتهم أقفاص ، ولكلّ مكروه أجل ، وللبقاع دول.
وقال الآخر يصف سرّ من رأى في أرجوزة له :
لست ترى في أهلها سقيما |
|
طوبى لمن كان به مقيما |
__________________
(١) أي : السرور.
(٢) النحب هنا السير السريع ، ونحب السفر فلان أجهده ، وسير متحّب كمحدّث سريع.
(٣) الميرة وهو جلب الطعام وكلّ ذلك كناية من رفاهيّة العيش.
(٤) لين الأرض ليس بأفهار ورمال.