ونيطت (١) عذارا كالشنوف (٢) في جيش يتلقف لأعدائه أوائله ، ولم ينهض أواخره ، وقد صبّ عليه وقار الصبر ، وهبّت له روائح النصر ، يصرفه ملك يملأ العين جمالا والقلوب جلالا ، والناس في دهر غافل ، قد اطمأنّت بهم سيره ، والدهر يسير بالمقيم ، يمزج البؤس بالنعيم ، وبعد اللجاجة انتهاء والهمّ إلى فرج ، ولكلّ سائلة قرار ، وبالله أستعين ومحمود على كلّ حال.
قال : وكان ابن المعتزّ مجتازا بسامرّاء متأسّفا عليها وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها. ولمّا استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمر بها. فقال ابن المعتزّ :
قد أقفرت سرّ من رأى |
|
وما لشيء دوام |
فالنقض يحمل منها |
|
كأنّها آجام |
ماتت كما مات فيل |
|
تسلّ منه العظام |
قال : وحدّثني بعض الأصدقاء قال : اجتزت بسامرّاء فرأيت على وجه حائط من حيطانها الخراب مكتوب :
حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من |
|
حكم الخلائف آبائي على الأمم |
وكلّ ما فيه مبذول لطارقه |
|
ولا زمام به إلّا على الحرم |
وقال ابن المعتزّ :
غدت سرّ من رأ في العفاء فيالها |
|
«قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل» |
وأصبح أهلوها شبيها بحالها |
|
«لما نسجتها من جنوب وشمأل» |
إذا أمروا منهم شكا سوء حاله |
|
«يقولون لا تهلك أسى وتجمّل» |
__________________
(١) من ناط ينوط نوطا أي علقة.
(٢) بالكسر من اللجام ما سال على خدّ الفرس. والشنوف جمع شنف وهو القرط.