وسدّت الثلمة وتهدّم السور وبقي الماء الذي في داخل البلد يدبّ في المحال فما رأيت حائطا قائما ولم يعرف أحد موضع داره إلّا بالتخمين ، وإنّما الكلّ تلال ، فاستدللنا على دارنا بمنارة المسجد فإنّها لم تقع ، وغرقت مقبرة الإمام أحمد وغيرها من الأماكن والمقابر ، وانخسفت القبور المبنية ، وخرج الموتى على رأس الماء ، وكانت آية عجيبة.
وقريب من هذا ذكره ابن العبري عن الفيضان المذكور ثمّ أطال الكلام في حوادث الواقعة من ناحية الغرق إلى أن قال : وكلّ من له ولد صغير حمله على كتفه وهم يتسغيثون ويضجّون محوّلوا إلى الحلبة وقد ذهب كلّ ما كان عندهم وضربت لهم الخيم بها وتلف من الناس شيء كثير ، وأمثال ذلك إلى يومنا هذا أكثر من أن يحصى. أضف إلى ذلك ما فيها من الغارات والفتن والملاحم.
وأمّا سامرّاء فخلو عن ذلك كلّه حتّى أنّ بعض الأطبّاء يفضّلون سامرّاء على همدان مع أنّها أطيب بلاد ايران وأنزهها ، ولها حدائق مشحونة بالأوراد والأزهار التي لا يوجد في غيرها في الفصول الأربعة. ويقولون : إنّ هواء سامرّاء دواء للمرضى ، وشدّة برودة همدان في أيّام الشتاء مانع عن اعتدال المزاج.
قال الحموي في المعجم عند ذكره همذان : ذكر الحسين بن أبي سرح في همذان مقالة منها : يا أهل همذان ، وجوهكم مائلة ، وأنوفكم سائلة ، وثيابكم وسخة ، وروائحكم قذرة ، ولحاؤكم دخانية ، وسلّط الله على همذان الزمهرير الذي يعذّب به أهل جهنّم ، وما أكثر ما يحتاج الناس فيها من الدثار والمؤن المجحفة ، فما أكدر هواءها وأشدّ بردها وأذاها ، وأقلّ خيرها ، وأكثر شرّها ، تخسف فيها الآبار ، وتفيض المياه ، وتهيج الرياح العواصف ، وتكون فيها الزلازل والخسوف والرعود والبروق والثلوج ، فيقطع عند ذلك السبل ويكثر الموت ، ويضيق المعاش ، والناس في جبلكم هذا في جميع أيّام الشتاء يتوقّعون العذاب ، ويخافون السخط والعقاب ،