العمارة ويصعده السور حتّى يمشي من أوّله إلى آخره ويريه قباب الأبواب والطاقات وجميع ذلك. ففعل الربيع ما أمره به فلمّا رجع إلى المنصور قال له : كيف رأيت مدينتي؟ قال : رأيت بناء حسنا مدينة حصينة إلّا أنّ أعداءك فيها معك. قال : من هم؟ قال : السوقة ؛ يوافي الجاسوس من جميع الأطراف فيدخل الجاسوس بعلّة التجارة فيتجسّس الأخبار ويعرف ما يريد وينصرف من غير أن يعلم به أحد.
فسكت المنصور ، فلمّا انصرف البطريق أمر بإخراج السوقة من المدينة وتقدّم إلى إبراهيم بن جيش الكوفي وخراش بن المسيّب اليماني وأمرهما أن يبنيا ما بين الصراة ونهر عيسى سوقا وأن يجعلاهما صفوفا ، ورتّب كلّ صفّ في موضعه وقال : اجعلا سوق القصّابين في آخر الأسواق فإنّهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع ، ثمّ أمر أن يبنى لهم مسجدا يجتمعون فيه يوم الجمعة ولا يدخلون المدينة. وقيل : إنّ السبب في نقلتهم إلى الكرخ أنّ دخاخينهم ارتفعت واسودّت حيطان المدينة وتأذّى به المنصور فأمر بنقلهم. فقال محمّد بن داود الأصبهاني :
يهيم بذكر الكرخ قلبي صبابة |
|
وما هو إلّا حبّ من حلّ بالكرخ |
ولست أبالي بالردى بعد فقدهم |
|
وهل يجزع المذبوح من ألم السلخ |
أقول وقد فارقت بغداد مكرها |
|
سلام على أهل القطيعة والكرخ |
هوائي ورائي والمسير خلافه |
|
فقلبي إلى كرخ ووجهي إلى بلخ |
وكانت الكرخ أوّلا في وسط بغداد والمحال حولها ، فأمّا الآن محلّة مفردة في وسط الخراب وأهلها كلّهم شيعة إماميّة لا يوجد فيهم سنّي البتّة. أمّا الآن فالكرخ في وسط البلدة من أعمر بلدان العراق وأهلها شيعة إماميّة كما ذكره ، والجسران الثابتان معقودان بينها وبين بغداد الجديدة (الرصافة) في نهاية البداعة والجمال.
ومنها : كرخ جدّان ـ بضمّ الجيم والدال المشدّدة ـ بليدة في آخر ولاية العراق