الذي دل عليه قوله : يكفر بها ويستهزأ أي : فلا تقعدوا مع الكافرين المستهزئين ، وحتى غاية لترك القعود معهم. ومفهوم الغاية أنهم إذا خاضوا في غير الكفر والاستهزاء ارتفع النهي ، فجاز لهم أن يقعدوا معهم. والضمير عائد على ما دل عليه المعنى أي : في حديث غير حديثهم الذي هو كفر واستهزاء. ويحتمل أن يفرد الضمير ، وإن كان عائدا على الكفر وعلى الاستهزاء المفهومين من قوله : يكفر بها ويستهزأ بها ، لأنهما راجعان إلى معنى واحد ، ولأنه أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في كونه لمفرد ، وإن كان المراد به اثنين.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) حكم تعالى بأنهم إذا قعدوا معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها ، وهم قادرون على الإنكار مثلهم في الكفر ، لأنهم يكونون راضين بالكفر ، والرضا بالكفر كفر. والخطاب في أنكم على الخلاف السابق أهو للمنافقين؟ أم للمؤمنين؟ ولم يحكم تعالى على المسلمين الذين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين بمكة بأنهم مثل المشركين ، لعجز المسلمين إذ ذاك عن الإنكار بخلاف المدينة ، فإن الإسلام كان الغالب فيها والأعلى ، فهم قادرون على الإنكار ، والسامع للذم شريك للقائل ، وما أحسن ما قال الشاعر :
وسمعك صن عن سماع القبيح |
|
كصون اللسان عن النطق به |
قال ابن عطية : وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة كقوله الشاعر :
عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه |
|
فكل قرين بالمقارن يقتدى |
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين : إنه صائم فحمل عليه الأدب ، وقرأ : إنكم إذا مثلهم. ومن ذهب إلى أنّ معنى قوله : إنكم إذا مثلهم ، إن خضتم كخوضهم ووافقتموهم على ذلك فأنتم كفار مثلهم ، قوله تنبو عنه دلالة الكلام. وإنما المعنى ما قدّمناه من أنكم إذا قعدتم معهم مثلهم.
وإذا هنا توسطت بين الاسم والخبر ، وأفرد مثل ، لأن المعنى أنّ عصيانكم مثل عصيانهم ، فالمعنى على المصدر كقوله : (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) (١) وقد جمع في قوله : (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٢) وفي قوله : (حُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (٣) والإفراد
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٣ / ٤٧.
(٢) سورة محمد : ٤٧ / ٣٨.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٢ ـ ٢٣.